السلمية أو العدم: خيار القرن الواحد والعشرين | أرون غاندي | TEDxAthens

يتحدث أرون غاندي عن مسؤولية كل شخص تجاه تحقيق السلام في العالم. لن يتحقق السلام بوقف الحروب فقط، السلام هو تحقيق المساواة والوئام في المجتمع. وُلد أرون غاندي، حفيد المهاتما موهانداس غاندي، في ديربان في جنوب أفريقيا في فترة التفرقة العنصرية. في سن الثانية عشر، ذهب أرون إلى الهند ليعيش مع جده ويتعلم التكيف مع غضبه وردة أفعاله العنيفة التي نشأت من الكراهية التي تعرض لها منذ صغره. لقد تعلم دروسًا قيمة من جده خلال الفترة التي قضاها في الهند.
والآن، يرأس أرون مؤسسة غاندي الدولية للتعليم ويقوم بنشر رسالة السلمية حول العالم وينقذ الأطفال من الفقر ويدربهم للتخلص من دورة القمع التي يعيشون فيها، وأنشأ مؤسسة المهاتما غاندي للسلمية في روتشستر في نيويورك، وتقوم المؤسسة ببرامج للأطفال داخل المدينة، ونزلاء الوحدات الإصلاحية، والعائلات الفقيرة وتعلم السلمية للطلاب أيضًا. يقود أرون جولات تراثية في الهند وجنوب أفريقيا سنويًا وهذه الجولات مفتوحة لكل الناس المهتمين بدراسة السلمية والسلام.
أُلقيت هذه المحادثة في حدث TEDx باستخدام صيغة مؤتمر TED، ولكن بتنظيمٍ مستقل من قبل المجتمع المحلي. لمعرفة المزيد يرجى زيارة: http://ted.com/tedx

أريد أن أشارككم

درسًا مهمًا تعلمته من جدي

عندما كنت في سن الثانية عشر.

أظن أنه درس مهم

لأنه يوضح مدى العنف
الذي نمارسه في هذا العصر.

انتشر العنف في جميع أنحاء العالم،

وإن لم نفعل شيئًا لوقفه،

لن نستطيع أن نعيش في هذا العالم أبدًا.

لقد سقطت وتدمرت حضارات عديدة في الماضي،

وهذه الحضارة أيضًا

سوف ينتهي بها الأمر بالدمار.

ولكن يمكن عكس ذلك.

هذا هو ما علمنا جدي

عندما اكتشف فلسفة السلمية

منذ أكثر من مئة سنة.

لقد مارسها، وشرح لنا

كيف نحل نزاعاتنا بطرق سلمية.

الدرس الذي أريد أن أشارككم إياه اليوم

هو درس تعلمته بسبب قلم رصاص صغير.

كنت عائدًا من المدرسة،
وكنت في الثانية عشر من عمري،

وكنت أمسك قلم رصاص صغير في يدي.

كان طوله سبع سنتيمترات.

وفكرت أني أستحق قلم رصاص أفضل
لأن هذا القلم كان صغيرًا للغاية،

وبلا تردد، رميت القلم

لأني كنت متأكدًا

أن جدي سيعطيني قلمُا جديدُا
إن طلبت منه ذلك.

ولكن في تلك الليلة، عندما قابلت جدي
وطلبت قلم رصاص جديد،

بدلًا من أن يعطيني قلم رصاص،
سألني العديد من الأسئلة.

كان يريد أن يعرف كيف
أصبح قلم الرصاص صغيرًا،

وأين رميته، ولماذا واستمر على هذا الحال.

لم أفهم لمَ أحدث جلبة بسبب قلم رصاص صغير.

حتى أمرني بأن أخرج وأبحث عنه.

وقلت له: "أنت تمزح."

وقلت: "أنت لا تتوقع أن أخرج في الظلام

وأبحث عن قلم الرصاص!"

فقال لي: "بلى، أتوقع منك ذلك.
خذ هذا الكشاف."

وأعطاني الكشاف وخرجت
للبحث عن هذا القلم،

بحثت عن القلم لساعتين تقريبًا،

وعندما وجدت القلم وعدت إليه،

قال لي: "أريدك أن تجلس وتتعلم درسين مهمين.

الدرس الأول

هو أنه وحتى خلال صناعة شيء بسيط
مثل قلم رصاص،

نستعمل الكثير من موارد الأرض الطبيعية

وعندما نرميها،

نهدر موارد الأرض الطبيعية،

وهذا عنف ضد الطبيعة.

والدرس الثاني

هو ولأننا نعيش في مجتمع ثري

نستطيع شراء هذه الأشياء بكميات كبيرة،

وبذلك نستهلك موارد الأرض بإفراط،

ولأننا نستهلكها بإفراط،

نحرم الناس في أماكن أخرى
من هذه الموارد،

فيعيشون فقراء،

وهذا عنف ضد الإنسانية."

ولأول مرة،

أدركت أن كل الأشياء الصغيرة
التي نقوم بها كل يوم،

بوعي وبلا وعي،

أشياء نستعملها بإفراط ونرميها

لأننا نمتلك الكثير منها
ونستطيع التخلص منها بسهولة،

وهذا يزيد من العنف

الذي نشهده في العالم اليوم.

هذا سبب الاختلافات بين الناس،

ليس فقط اختلافات اقتصادية،

ولكنها في النهاية تؤدي
إلى اختلافات اجتماعية وثقافية ودينية

تؤدي إلى كل أنواع الاختلافات
التي نشهدها اليوم،

مما يولد الكراهية والأحكام المسبقة.

لأفهم هذا الدرس جيدًا،

أمرني برسم شجرة أنساب للعنف،

مثل رسم شجرة العائلة.

العنف هو الجد،

والعنف الجسدي والعنف اللاجسدي

كفرعين منفصلين.

وفي كل يوم قبل أن أنام،

كنت أحلل وأراجع كل شيء
واجهته أثناء اليوم.

كان يجب أن أجد نقاط ضعفي

وأضعها على تلك الشجرة.

إن كان العنف المستعمل به قوة جسدية،

أضعه تحت فرع العنف الجسدي.

ولكن إن كان من الأمور
التي نفعلها كل يوم

بدون استعمال أي قوة جسدية،

وأحيانًا لا نرى الشخص الآخر

ومع ذلك تؤذي أفعالنا
أو جمودنا شخصًا ما في مكان ما،

أضعه تحت العنف اللاجسدي.

لأحدد إن كان ما فعلته عنفًا لاجسديًا أم لا

كنت أسأل نفسي سؤالًا،

إن فعل شخص ما هذا الأمر لي،

هل سيؤذيني أم سيساعدني؟

وعندما أدرك أنه سيؤذيني،

كنت أضعه تحت العنف اللاجسدي.

وعندما بدأت مراقبة نفسي،

فوجئت بعد بضعة شهور

أني قد ملئت حائط غرفتي كلها

بالعنف اللاجسدي.

لم يزد العنف الجسدي كثيرًا

لأن هناك حد لما تستطيع
أن تفعله للناس جسديًا.

ولكن العنف اللاجسدي شيء لا نعرفه حتى

ولا ندرك أننا نرتبكه.

وفي هذه اللحظة،

عندما ملئت حائط غرفتي
وشعرت بالذهول

أني أستطيع ارتكاب ذلك القدر
من العنف اللاجسدي

أو أن العالم يستطيع ارتكاب ذلك القدر
من العنف اللاجسدي،

في هذه اللحظة، شرح لي جدي
الصلة بين الاثنين.

وقال لي: "نحن نقوم بأعمال
العنف اللاجسدي كل يوم،

بوعي وبلا وعي،

وهذا يولد الغضب في الضحية،

وتلجأ الضحية إلى العنف الجسدي
لتحصل على العدالة."

هذا هو معنى العدالة الآن،

نحتاج إلى الانتقام؛

نريد أن يدفع الشخص الذي تسبب بالأذى الثمن.

لقد أصبحت العدالة الانتقام،

وهذا ما يحدث

عندما يبحث ضحايا العنف، العنف اللاجسدي

عن العدالة بالانتقام.

وهنا قال لي

أنه يجب أن نفهم

كيف يؤدي العنف اللاجسدي

إلى العنف الجسدي في العالم.

وركز على حقيقة

أنه وبسبب العنف الذي نواجهه كل يوم

أصبحت علاقتنا ببعضنا البعض سيئة.

تتركز فلسفته السلمية

على أربعة مبادئ:

الاحترام

والتفاهم

والقبول والتقدير.

على أساس هذه المبادئ

ولدت الفلسفة السلمية،

ويجب أن نستعمل هذه المبادئ

كأساس لعلاقاتنا ببعضنا البعض.

يجب أن نحترم أنفسنا، ونحترم الآخرين

ونحترم صلتنا بجميع المخلوقات.

نظن أننا أفراد مستقلون

ويمكننا أن نفعل ما نريد
كما أنه ليس من شأن أحد.

لسنا أفرادًا مستقلين؛

نحن متصلون ومترابطون،

ويجب أن نفهم هذا الأمر
ونتعامل بهذا المبدأ.

عندما نحترم أنفسنا ونحترم جميع المخلوقات،

سنفهم حينئذ

من نحن وما نحن
ولماذا نعيش على هذه الأرض.

لسنا هنا بالصدفة.

لسنا هنا لنقضي الوقت
من الولادة للموت،

أو من الصباح إلى المساء

ونقوم بعمل روتيني

دون القلق حول ما يحدث في باقي العالم.

كلنا متصلون،

بصورة فردية، وجماعية، ومع الطبيعة.

عندما نفهم ذلك

سوف نقبل بعضنا البعض كبشر.

الآن، نصنف الناس بمختلف التصنيفات:

تصنيفات دينية واجتماعية وثقافية وعرقية.

لدينا العديد من التصنيفات المختلفة للناس

لدرجة أننا عندما نصنف شخصًا ما،

نبني حائطًا بيننا وبين ذلك الشخص.

وفي كل مرة نبني حائطًا بيننا وبين الناس،

نبني احتمال نشوب نزاع.

يجب أن نفهم

أننا كلنا هنا وكلنا متساوون.

مهما كان لون بشرتنا، ومهما كان ديننا،

ومهما كانت فلسفتنا،

ومهما كان مكان نشأتنا،

كلنا متساوون، كلنا واحد.

وعندما نقبل هذا

سوف نقدر قيمة إنسانيتنا.

إذن، هذه المبادئ

التي استعملها لبناء فلسفته السلمية

وحاول إنشاء مجتمع حيث يقبل بعضنا البعض

ونعيش بسعادة وفي وئام.

لا يمكن تحقيق السلام بالتخلص من الحرب فقط.

يمكن تحقيق السلام

عندما نحقق الوئام بين الناس

حيث نحب ونحترم بعضنا البعض.

وهذا شيء يمكننا تحقيقه كلنا.

الآن، الحضارة لا تعني

امتلاك الكثير من الأموال والنفوذ.

الحضارة هي

كيف نتصل ببعضنا البعض؟

كيف نتصل بالطبيعة وكل المخلوقات؟

هذا يحدد مدى تحضرنا.

يجب أن نفهم ذلك ونتدرب على ذلك.

أريد أن أشارككم قصة أخيرة قبل أن أنتهي.

هذه قصة كان جدي يحب أن يحكيها لنا

أثناء نشأتنا.

إنها قصة عن ملك هندي

شعر بالفضول الشديد حول معنى السلام.

فدعى نخبة العلماء في مملكته

ليأتوا ويشرحوا معنى السلام.

وبذل الكل ما بوسعه،

ولكن لم يستطع أحد أن يرضي الملك.

في يوم من الأيام، جاء أحد العلماء
من مدينة أخرى في زيارة،

وسأله الملك عن معنى السلام.

فرد عليه: "الشخص الوحيد الذي يستطيع
أن يعطيك إجابة مُرضية

هو رجل حكيم يعيش خارج مملكتك.

ولكنه عجوز ولا يستطيع أن يأتي إليك؛

يجب أن تذهب بنفسك وتسأله هذا السؤال."

في اليوم التالي،
ذهب الملك إلى الرجل الحكيم

وسأل عن معنى السلام.

فذهب الرجل الحكيم إلى منزله بهدوء،

وعاد بحبة قمح

ووضعها على كف الملك

وقال: "هذه هي إجابتي."

وبالطبع،

لم يفهم الملك علاقة حبة القمح بالسلام،

ولم يرد أن يظهر جهله،

فأحكم قبضته على حبة القمح،

وعاد إلى قصره،

ووجد صندوقًا ذهبيًا صغيرًا
ووضع حبة القمح فيه،

وفي كل صباح،

كان يفتح الصندوق ويبحث عن الإجابة،

ولكنه لم يجد أي إجابة.

وبعد بضعة أيام،
عندما عاد ذاك العالم لزيارة أخرى،

طلب الملك أن يشرح له الأمر.

وقال الملك: "لقد بعثتني
إلى هذا الرجل الحكيم فأعطاني حبة قمح،

ولا أعرف ما علاقة حبة قمح بالسلام."

ورد عليه العالم:

"إن الأمر بسيط."

وقال: "طالما أبقيت حبة القمح
في هذا الصندوق،

لن يحدث أي شيء.

في النهاية، ستفسد وتموت،

وستكون هذه نهاية القصة.

ولكن إن سمحت لحبة القمح
بالتفاعل مع كل العناصر،

إن زرعتها بالخارج في التربة،

سوف تنمو،

وقريبًا، سوف يكون عندك حقل قمح.

وهذا هو معنى السلام:

إن وجد شخص ما السلام

وحبسه في قلبه لمكاسب شخصية،

سوف يموت معه.

ولكن إن تركه يتفاعل مع كل العناصر،

سوف ينمو،

وقريبًا، سوف يكون هناك عالم
من صناع السلام."

ولذلك، جئت اليوم لأعطيكم حبة القمح

التي أخذتها من جدي،

وأرجو أنكم لن تتركوها للموت،

بل سوف تجعلونها تتفاعل

ليصنع كل واحد منا

عالمًا أفضل للأجيال القادمة.

شكرًا لكم.

(تصفيق)