الملخص لفهم حركة زايتجايست - الاستدامة CC 5of6 الجزء الخامس

حركة روح العصر ’زايتجايست‘

مفاهيم مختلفة: الاستدامة

ترتبط الاستدامة في أذهاننا بالقدرة على الدوام أو البقاء لفترات طويلة، وكذلك بالشؤون البيئية

وبشكل عام يمكن تعريف الممارسة المستدامة على أنها ممارسة تأخذ السلامة/الصحة المستقبلية في عين الاعتبار

ولكّن هذه الفكرة لا تقتصر فقط على الشؤون المادية المحسوسة

بل تنطبق أيضاً على الأفكار والمعتقدات والسلوك البشري، والمجتمع ككل

أما الممارسة غير المستدامة، فهي أي ممارسة تعود بتأثير سلبي وغير متوازن

من شأنه إلحاق الضرر بفرد أو مجتمع أو بالبيئة مع مرور الوقت

ولنا مثال على ذلك في استخدامنا الحالي للنفط كمصدر للطاقة

حيث يمكن تصنيف هذه الممارسة على أنها "غير مستدامة" نظراً لحقيقة أن النفط لا يعتبر مورداً متجدداً بشكل عام

ناهيك عن الأضرار البيئية التي يتسبب بها حرقه

ويشمل مفهوم "الممارسة غير المستدامة" أي ممارسة تفضي إلى استنزاف مورد ما بشكل نهائي

أو تؤدي إلى تلوث بيئي على المدى الطويل

وعلى النحو ذاته، إذا نجمت كميات كبيرة من النفايات الملوثة للبيئة عن عمليات إنتاجية لشركة ما

فإن ذلك يعتبر ممارسة غير مستدامة أيضاً بغض النظر عن طبيعة منتجات هذه الشركة

وبالشكل ذاته، إذا تم توظيف المواد أو المعارف في تصنيع نوع ما من المنتجات التي لا ترتقي إلى أعلى مستويات الجودة المتاحة

فإن هذا يؤدي إلى الحد من أداء وعمر المنتج، ويتسبب بالتالي بإنتاج مزيد من النفايات عندما يتعطل المنتج أو تنتهي صلاحيته

ونظراً للمنظومة الربحية السائدة في عالمنا حالياً، فإن أغلب المنتجات تنطوي على نقاط ضعف متأصلة ومستقصدة

بسبب وجوب التنافس على الحصة السوقية

مثلاً، إذا تنافست شركتان على تصنيع منتج معيّن،

فسيتوجب عليهما أن تتبعا منهجية استراتيجية في انتقاء المواد الأولية والتصاميم التي تختارانها

مما يؤدي إلى تقليل مستوى الجودة بهدف تقليص التكاليف والأسعار

ومن هنا، يصبح المنتج أكثر عرضة للتعطّل مقارنة بمنتج آخر حظي بأعلى مستويات الاهتمام وأفضل المواد الأولية الممكنة

في الواقع، يفتقر نظامنا الحالي إلى هذا الأمر لسببين:

إن أرادت شركة ما استخدام أفضل التصاميم والمواد المتاحة

فمن المرجح أن تتكبد تكاليف إنتاجية أعلى بكثير وستخسر ميزتها التنافسية

ولو أن المنتجات مصممة أساساً كي تدوم لأطول فترة ممكنة

فلن يحتاج الناس إلى استبدال وتحديث وإصلاح منتجاتهم بشكل متكرر

وبالتالي ستخسر القطاعات الاقتصادية كمية هائلة من الإيرادات وفرص العمل

مما سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد

ومن الواضح أن هذه المنظومة ليست مستدامة بطبعها

نظراً لكفائتها المتدنية التي تؤدي إلى تصنيع أشكال متضاربة من المنتجات والمزيد من الهدر والتلوث

وهو ما يقودنا إلى الإيديولوجيات غير المستدامة

ونستطيع تعريف "الإيديولوجية غير المستدامة" بأنها عقلية تقود شخصاً أو مجموعة ما إلى ممارسات غير مستدامة

على سبيل المثال، عندما تقوم منشأة صناعية باستخدام مواد أولية منخفضة الجودة لتصنيع منتجات غير مستدامة

وذلك مع إنتاج كميّة هائلة من النفايات

فإن هذا الأمر يعزى إلى قوة أكبر تسمى بالـ"النظام النقدي" أو "النظام الربحي"

وفي النظام الربحي لا تحظى الاستدامة بأي تقدير أو اعتبار

لأنه مبني على المنافسة وتجدد الإنتاج، وبالتالي تأتي الاستدامة في درجة أدنى قياساً بالربحية من حيث الأهمية

حيث يعتمد نجاح الشركة وبقاؤها على الربحية

وتقوم الربحية جزئياً على خفض التكاليف وتعزيز الدخل

وعليه، فإن الممارسات غير المستدامة الموجودة في كافة القطاعات تعزى إلى الأساس الإيديولوجي الذي يستند إليه النظام الاقتصادي

ومن الناحية النظرية، يوافق أغلب الناس على أنه من الجيّد أن يكون لدينا وفرة من الموارد

والمنتجات المصنوعة من أفضل المواد لتحقيق أعلى مستويات الاستدامة والكفاءة

ولكن هذه المفاهيم ليست موضع ترحيب في النظام النقدي السائد على عالمنا حالياً

لأن هذا النظام يفضّل الندرة ويتقصّد وضع فترة محددة مسبقاً لانتهاء صلاحية المنتجات

فهذه هي الطريقة التي تسمح بتوليد الإيرادات والأرباح على المدى القصير، مع خلق مزيد من فرص العمل

وللأسف فإن هذه "الكفاءة" قصيرة الأمد تتسبب بالدمار على المدى الطويل

وبشكل عام يعتبر "اقتصاد السوق الحرّ" وغيره من المفاهيم المشابهة -مثل الشيوعية والاشتراكية والفاشية- إيديولوجيات غير مستدامة

لأنها تنطوي، وبشكل مقصود، على جوانب مسيئة للمجتمع والبيئة

وسنوضح الفكرة بالشكل التالي: يعيش عالمنا تنافساً مع ذاته على العمل والموارد والبقاء

لذلك يمكن اعتبار النظم الحالية غير مستدامة أبداً لأنها تفتقر إلى "الوعي الخارجي" (أي النظر إلى الصورة الأوسع من الخارج)

"إن النزعات القديمة إلى الشوفينية العرقية والدينية والجنسية، وإلى الحماسة الوطنية المفرطة، بدأت تفقد فعاليتها

وبدلاً منها نشهد نشوء وعي جديد ينظر إلى الأرض على أنها وحدة حيوية تعيش صراعاً مع ذاتها، وسيؤدي أي صراع مع الذات من هذا النوع إلى الفناء إن لم يوضع له حد".

فلنتحدث الآن عن ماهية "الإيديولوجية المستدامة"

في حين قد تتم الإجابة على هذا السؤال بطرق عديدة ومتجددة كنتيجة لاستمرارية التطور البشري

إلا أننا نمتلك حالياً مفهوماً يدعى "المنهجية العلمية"

وهذه المنهجية هي ببساطة عبارة عن عملية تحقيق وبحث تعتمد على أحدث سبل التعلّم والقياس والاختبار

بهدف التحقّق من صوابية مفهوم ما، أو إيجاد حلّ لمشكلة ما

ويمكننا أن نأخذ الحالة التالية كمثال على ذلك:

إذا لم يستطع أحدنا تدوير سيارته، فإنه سينفّذ عملية محاكمة عقلية تقوم على المنطق بهدف تحديد سبب المشكلة

إذ سيكون المنطق الركيزة الأساسية التي ستتمحور حولها هذه العملية العقلية

ومن المرجح أنك ستبدأ أولاً بنظرة على كمية الوقود المتبقية في السيارة، ومن ثم قد تتحقق من آلية الاشتعال، وما إلى ذلك

وهذا هو ما ندعوه تطبيق المنهجية العلمية في حل المشاكل

بينما قد تأخذ المنهجيات غير العلمية لحل هذه المشكلة أساليب بعيدة عن العقلانية

مثل أن يقوم أحدهم بالتحقق من الإطارات ليعرف سبب عدم إمكانية تشغيل سيارته

مع أن الإطارات لا علاقة لها بالآليات المرتبطة بهذه المشكلة

وللأسف، فإن منهجيتنا في التعامل مع آليات العمل الاجتماعية لا تقوم على منهجية أو منطق صحيح في معظم الأحيان

وإنما ترتكز إلى مزيج من التقاليد والأفكار المغلوطة والسلوكيات التي لم تعد صالحة لعصرنا الحالي

وإذا ما اعتمدنا منهجية علمية لتناول الشؤون الاجتماعية باستخدام المنطق كوسيلة لتقييم هذه الشؤون والتعامل معها

فإننا سنكون بشكل تلقائي على الطريق الصحيح نحو الاستدامة

لأن هذه المنهجية تنظر إلى جميع المكوّنات على أنها مترابطة فيما بينها ولا يمكن فصلها أو عزلها عن بعضها بعضاً

بعبارة أخرى، لا بد لنا من أن نهجر نظرتنا القديمة إلى العالم، والتي تقوم على أنظمة وإيديولوجيات تعود جذورها إلى الماضي

كي نبدأ بدلاً من ذلك بالنظر إلى العالم من أوسع إطار ممكن، وبما يتيح أعلى مستويات الموضوعية

ويجسّد العلم الوسيلة الوحيدة لدعم هذا التوجه

لاسيما وأن ثمار العلم أثبتت فعاليتها بطريقة لم تدع مجالاً للشك

وبالتالي آن الأوان لاستخدام المنهجيات العلمية في تعاملنا مع القضايا الاجتماعية

وإن ألقينا نظرة سريعة على آليات العمل والتشغيل المتبعة في عالمنا حالياً

فسنلاحظ بوضوح أنها تفتقر كثيراً إلى المنطق والأسس العلمية

حيث تقوم البنى الاقتصادية على قيم ووسائل تداول بعيدة للغاية عن الموارد الحقيقية والواقع الفعلي

لا تزال الديانات تروّج لنظرات حول الوجود تم دحضها منذ زمن طويل انطلاقاً من التفكير العلمي التقدمي

أما نظام العمل، فهو يقوم على فكرة وجوب العمل كي يجني المرء المال المطلوب للبقاء على قيد الحياة

دون إعارة اهتمام حقيقي لمدى جدوى هذه الأعمال أو الوظائف بالنسبة للمجتمع

مما يشير إلى أن أغلب الوظائف الحالية موجودة فقط بهدف إبقاء الناس ضمن إطار العمل مقابل المال كي يعيشوا، ومن أجل دعم البنية الاقتصادية القائمة

وفي الحقيقة، إن هذا الأمر يشكّل هدراً مخيفاً للحياة الإنسانية

وهناك الكثير والكثير من الجوانب التي تبيّن لنا كون مؤسساتنا الاجتماعية الحالية غير مستدامة

وكخلاصة للحديث، إن حياة البشر على كوكب الأرض يجب أن ترتكز على أساس متين لتسيير كافة العمليات الحيوية

ويجب أن يكون هذا الأساس موضوعياً وقائماً على التجربة قدر الإمكان، وليس على الآراء والإسقاطات

ومن وجهة نظرة علمية، نرى بان الموارد والذكاء البشري هما أهم عنصرين متاحين لنا

إن الإدراك والذكاء البشري وترافقه مع الإدارة والاستخدام الرشيدين لموارد كوكب الأرض

هما أهم ركيزتين على الإطلاق، وكل شيء آخر سيكون مبنيأً عليهما

وبالتالي يجدر بنا البدء باتباع منهجية ترتقي بالتعليم والتكنولوجيا وإدارة الموارد إلى أعلى مستوى ممكن

لأن عالمنا سيبقى مفتقراً إلى الاستدامة إذا لم يتحقق ذلك

وهذا هو بالضبط الهدف الذي يسعى إليه كل من مشروع ’فينوس‘ و "حركة روح العصر" (زايتجايست)

حركة روح العصر ‘زايتجايست‘

مفاهيم مختلفة: الاستدامة