الحرب وما يأتي بعدها

كليمانتين واماريا كان عمرها ست سنوات عندما أجبرتها الحرب الأهلية في رواندا وشقيقتها على الهروب من منزلهم في كيغالي، تاركين والديهم وكل شيء يعرفونه خلفهم. في هذا الحوار الشخصي المتعمق، تحكي قصة كيف أصبجت لاجئة تنقلت بين سبعة بلدان خلال ست سنوات القادمة وكيف حاولت أن تستوعب ماذا سيحدث بعد ذلك.

الكلمات تهم.

يمكنها أن تعالج

ويمكنها أن تقتل.

ولكن لها حدود.

عندما كنت في الصف الثامن،

أعطتني معلمتي ورقة مفردات

كُتب عليها كلمة "إبادة جماعية."

وأنا كرهتها.

كلمة إبادة لها طابع سريري،

عامة،

غير دموية،

مجردة من الإنسانية.

لا توجد كلمة

بإمكانها وصف

ما تفعله هذه الكلمة بالشعوب.

عليكم أن تعلموا،

أنه في هذا النوع من الحروب،

الرجال يقتلون نساءهم،

والنساء تقتلن رجالهنَّ،

الجيران والأصدقاء يقتلون بعضهم بعضاً.

شخص ما

في السلطة

يقول،

أولئك الموجودون هناك...

ليس لهم أي انتماء،

إنهم ليسوا بشراً.

والناس تصدق ذلك.

لست في حاجة لكلمات

لوصف هذا النوع من التصرفات.

بل لكلمات لإيقاف ذلك.

فأين نجد الكلمات اللازمة لوقف هذا؟

وكيف؟

لكني أؤمن بحق، أنه يجب أن نستمر
في المحاولة.

وُلدت في كيغالي، راوندا.

شعرت بحب جميع أفراد أسرتي

وجيراني.

دائماً ما كنت أتعرض للمضايقات من الجميع،

بالأخص من شقيقيَّ الأكبر سناً.

لما فقدت سني الأمامي،

نظر إلي أخي وقال،

حدث هذا معك، أيضاً؟

لن تنمو مجدداً أبداً."

(ضحك)

استمتعت باللعب في كل مكان،

لا سيما في حديقة أمي وجيراني.

أحببت روضتي.

غنّينا أغاني،

لعبنا في كل مكان

وتناولنا الغداء.

كان لدي طفولة

أتمناها للجميع.

لكن حينما بلغت سن السادسة،

بدأ أفراد أسرتي البالغين يتحدثون بهمس

ويطالبونني بالصمت كلما سألت سؤالاً.

ذات ليلة،

جاءت أمي وأبي.

كانت تعلو وجوههم نظرة غريبة لما أيقظونا.

أرسلوني وشقيقتي الكبرى (كلير)
إلى منزل جدي،

على أمل أن ينتهي ما يحدث.

سرعان ما اضطررنا للهرب من هناك أيضاً.

اختبأنا،

زحفنا،

وركضنا أحياناً.

أحياناً سمعت صوت ضحك

ثم صراخ وبكاء

وصوت لم أكن قد سمعته من قبل

كما ترون،

لم أكن أعلم

ماذا كانت طبيعة تلك الأصوات.

لم يكونوا بشراً--

وفي الوقت نفسه، كانوا بشراً.

رأيت أناساً لا يتنفسون.

حسبتهم نائمين.

لم أكن أفهم معنى الموت،

أو القتل.

عندما كنا نتوقف لأخذ قسط من الراحة

أو البحث عن الطعام،

كنت أغلق عيناي،

على أمل أنني عندما أفتحها،

سأستيقظ.

لم أكن أعلم في أي اتجاه كان المنزل.

النهار كان مخصصاً للإختباء

والليل للمشي.

أن تتحول من شخصِِ بعيدٍ عن منزله

إلى شخص بلا منزل.

المكان الذي يفترض به أن يأويك

قام بطردك بعيداً،

ولا تجد من يأويك.

أنت غير مرغوب فيك

من أحد.

أنت لاجئ.

من سن السادسة إلى الثانية عشرة،

عشتُ في سبعة بلدان مختلفة،

متنقلةً من مخيم لاجئين لآخر،

على أمل أن يُصبح مرغوباً بنا.

أختي الكبرى (كلير)،

أصبحت أُماًّ شابةً ...

وخبيرة في تدبير الأمور.

عندما كنت في الثانية عشرة من العمر،

جئت إلى أمريكا مع (كلير)
وعائلتها بصفة لاجئين.

لم تكن تلك إلا البداية،

لأنه حتى لو كان عمري 12 عاماً،

تارةً أشعر وكأني في الثالثة من العمر

وأخرى في الخمسين من العمر.

ماضيَّ حسرة.

أصبح مشوشاً،

مشوهاً،

كل شيء كان مبالغاً فيه

ولا شيء.

الوقت بدا وكأنه صفحات مُزِقت من كتاب

وتبعثرت في كل الأنحاء.

هذا لا يزال يحدث معي وأنا أقف أمامكم.

بعد وصولي إلى أمريكا،

لم نتحدث أنا و(كلير) عن ماضينا.

في عام 2006،

بعد 12 سنة،

من افتراقنا عن عائلتنا،

وسبع سنوات من معرفتنا بأنهم قد ماتوا

وهم يعتقدون أننا قد متنا،

اجتمع شملنا

بطريقة دراماتيكية أمريكية.

على الهواء،

في التلفاز...

(ضحك)

في "برنامج أوبرا،"

(ضحك)

(تصفيق)

أخبرتكم، أخبرتكم.

(ضحك)

لكن بعد البرنامج،

بعد أن أمضيت بعض الوقت مع أمي وأبي

وأختي الصغرى

وأخوَيّ الجديدين الذين لم أراهما قط،

شعرت بالغضب.

شعرت بألم شديد في داخلي.

أعلم أنه لا يوجد أي شيء على الإطلاق،

لا شيء،

يمكنه تعويض الوقت الذي قضيناه مُفترقين،

والعلاقة التي كان من الممكن أن ننشأها.

مؤخراً، انتقل والداي إلى الولايات المتحدة،

لكن مثل (كلير)،

لم يتحدثوا عن ماضينا.

إنهم يعيشون في حاضر لا منتهي.

لا يسألون كثيراً،

ولا يسمحون لأنفسهم بأن يشعروا

يتحركون بخطوات صغيرة.

لا أحد منا بطبيعة الحال،
يستوعب ما حدث معنا.

رغم أن عائلتي على قيد الحياة،

أجل، كنا محطمين،

كنا مخدرين

وصامتين بسبب تجربتنا الخاصة.

الأمر لا يتعلق فقط بعائلتي.

رواندا ليست البلد الوحيد

الذي تصارع فيه أفراد الشعب فيما بينهم

وقتل بعضهم بعضاً.

بل الجنس البشري بأكمله،

وبعدة طرق،

حاله كحال أفراد أسرتي.

ليس ميتاً؛

أجل، محطم ومخدر وصامت
بسبب العنف الذي يسود العالم

الذي استولى عليه.

كما ترون،

فوضى العنف تستمر من الداخل

بكلمات نستخدمها

وقصص نختلقها كل يوم.

لكن أيضأ بالألقاب التي نطلقها على أنفسنا

وفيما بيننا.

بمجرد ما ننعت أحد ما بـ"الآخر،"

"أقل من،"

"واحد منهم."

أو "أفضل من،"

صدقوني ...

في ظروف ملائمة،

إنه طريق قصير نحو المزيد من الدمار.

المزيد من الفوضى،

والمزيد من الضجيج

الذي لن نفهمه أبداً.

الكلمات لن تكون كافية أبداً

لتحديد حجم وطبيعة

الدمار الذي سببه البشر.

حتى يتسنى لنا

إنهاء العنف المستمر في العالم،

أتمنى

على الأقل أترجاكم...

أن تقفوا.

دعونا نسأل أنفسنا:

من نكون دون كلمات؟

من نكون دون ألقاب؟

من نكون في أنفاسنا؟

من نكون في دقات قلوبنا؟

(تصفيق)