ممرضة تعمل مساءً
في أحد المستشفيات المزدحمة
تلاحظ بأن وصفة دواء أحد المرضى
تبدو مرتفعة بعض الشيء.
لوهلة، تفكر بالاتصال على الطبيب في بيته
للتحقق من الوصفة.
فيخطر على بالها،
ملاحظاته المهينة عن طريقة عملها،
في آخر مرة اتصلت فيها على منزله.
تحاول عندها إقناع نفسها بأن الوصفة مناسبة،
فالمريض يخضع لعلاج تجريبي على أية حال،
وهذا يبرر الوصفة المرتفعة،
تأخذ عندها الدواء وتتوجه نحو سرير المريض.
وبعيداً عن أجواء المستشفيات،
طيار شاب في مهمة تدريب عسكرية
يلاحظ بأن الضابط المسؤول عنه يبدو
وكأنه قد اتخذ قراراً خاطئاً.
فيغض الطرف عما حدث.
وبعيداً عن هاتين القصتين،
أحد كبار التنفيذيين الذي عُيّن للتو
في إحدى الشركات الناجحة
لينضم إلى فريق الإدارة العليا
لديه تحفظّات كبيرة على إحدى
خطط الشركة للاستحواذ على أخرى
كونه جديداً على الفريق وشعوره كغريب بينهم
ووسط حماسة الجميع حول الخطة،
يحتفظ برأيه لنفسه.
هذه ثلاثة أمثلة على الصمت في مكان العمل
عندما يكون الحديث ضرورياً.
عندما يكون مفيداً.
ربما تفكر الآن،
"لو كنت في مكانهم، لما فعلت ذلك"
ولربما أدركت، كما فعلت أنا،
بأن هذا يحدث مراراً
في أماكن العمل هذه الأيام.
لطالما أثارت هذه المشكلة اهتمامي،
لماذا تحدث؟
الموضوع بسيط في الحقيقة.
لا أظن بأن أحداً يصحو من نومه صباحاً،
يقفز من سريره، ولا يستطيع الانتظار
للذهاب إلى عمله
ليبدو متجاهلاً، غير كفؤ،
متطفلاً، أو سلبياً، أليس كذلك؟
(ضحك)
لا، لا بالطبع، ففي العموم،
كلنا يود أن يبدو ذكياً ومفيداً
وكما تعلمون، إيجابياً ومتعاوناً.
الجيد في الموضوع٬ هو أنه سهل الحل.
إن أردت ألّا تبدو متجاهلاً؟
فلا تثر الأسئلة.
ألّا تبدو غير كفؤ؟
فلا تعترف بنقاط ضعفك أو أخطائك.
ألّا تبدو متطفلاً؟
فلا تبادر بتقديم أفكارك.
وإن أردت ألّا تبدو سلبياً، فبكل تأكيد،
لا تنتقد الوضع الراهن.
والآن،
هذه الاستراتيجية،
الجيد حول هذه الاستراتيجية الناجحة
هي أنها تحميك.
هذا ما يسميه علماء النفس
ب"إدارة الانطباعات"
وهناك الكثير من الأدلة
بأننا نفعل ذلك جيداً.
نحن نتعلم فعل ذلك
في المدرسة الابتدائية غالباً.
في الوقت الذي نصل فيه لسن العمل،
تتحول لدينا إلى مجرد عادة
هل أردت يوماً أن تسأل سؤالاً،
فتلفّت حولك، ولم تسأله؟
فليس هناك من يسأل حولك.
ربما كان عليك أن تعرف الإجابة.
فتظن، "سأفهمها لاحقاً"
ما أهمية هذا الموضوع إذاً؟
أهميته تكمن في أننا
في كل لحظة من هذه اللحظات
في كل مرةٍ تردّدنا فيها عن السؤال،
أضعنا على أنفسنا وزملائنا فرصة لنتعلّم،
فلا ابتكرنا،
ولا أتينا بأفكارٍ جديدة.
لقد انشغلنا دون أن نشعر،
بإدارة انطباعات الآخرين عنّا
فلم نشارك في تطوير مكان عملنا.
الممرضة لم تتصل، والطيار لم يتكلم
ولم يقل المدير التنفيذي شيئاً.
الخبر الجيد بأن هذا الشيء
ليس متفشٍ في كل بيئات العمل
هناك أماكن للعمل
يصحو موظفوها صباحاً،
لا أقول متلهفون،
ولكنهم على الأقل جاهزين
ليتعلموا ولو على حساب علاقاتهم بالآخرين
أسمّي مثل هذه الأماكن،
بأماكن العمل التي تتمتع بالأمان النفسي
وأعرّف الأمان النفسي بأنه الاعتقاد
بأنه من الممكن، بل والمتوقع في الحقيقة،
بأن يتم الإفصاح عن المخاوف،
والأسئلة، والأفكار، والأخطاء.
ولقد بدأت في هذا الموضوع،
وبدأ اهتمامي به، بمحض الصدفة.
دعوني أخبركم عمّا حدث.
انضممت إلى فريق غالبيته
من الأطباء والممرضات،
وكانت مهمتنا هي بحث وتقييم،
بشكلٍ قاطع إن أمكن،
ما هو المعدل الفعلي لإعطاء
الأدوية بشكل خاطئ
في بعض المستشفيات التخصصية الحديثة.
لذلك كانت مهمتهم هي جمع
معلومات عن إعطاء الأدوية الخاطئ
تلك المتعلقة بأخطاء العاملين.
أما مهمتي الجزئية فكانت ببساطة،
بأن أسأل هذا السؤال، ومن ثم أجيب عنه،
"هل الفِرق الأفضل، أو بالأصح الفِرق في
المستشفيات الأفضل، هي الأقل خطئاً؟"
استخدمت استبياناً قياسياً
لتقييم مدى فاعلية الفِرق
ودرّبت عدداً من الممرضات لزيارة
مجموعة من الأقسام في مستشفيين
كل يومين تقريباً لمدة ستة أشهر.
وكانت هذه هي المعلومات التي جمعناها
هذه مجموعة من الأخطاء،
لنسميها أخطاءً في إعطاء الأدوية
والتي تم حصرها
لتكون ناتجة عن أخطاء العاملين،
ويتم التعبير عنها بنسبة الأخطاء
إلى وحدة "ألف يوم من العناية بالمريض"
وهنا يبدأ الموضوع ليصبح غريباً بعض الشيء.
حصلت على المعلومات، وانتظرت بصبر،
حصلت على معلومات الفِرق ومعلومات الأخطاء،
وأجريت عليها نوعاً من التحليل.
وماذا وجدت؟
كانت النتائج عكس توقعاتي تماماً.
فكما يبدو، كانت الفِرق الأفضل،
ترتكب أخطاءً أكثر، لا أقل.
فمن وجهة نظر باحثةٍ شابة
يهمها نشر ورقتها العلمية،
كانت هذه مشكلة حقيقية
بغض النظر عن بقية المشاكل، أليس كذلك؟
لقد كانت مشكلة، لا، بل كانت لغزاً.
لذلك، جلست لأفكّر، ما هي الأسباب؟
فكّرت بأنها ربما الحاجة
إلى التعاون بين الأطباء والممرضات.
أو أنها الحاجة إلى العمل الجماعي السريع،
عن الإفصاح عمّا في الخاطر، عن التدقيق.
وفكّرت عندها، "ربما"
في لحظة خاطفة من التجلّي
"ربما لم تقم الفِرق الأفضل بأخطاءٍ أكثر،
ربما كانوا أكثر قابلية لمناقشتها فقط"
ماذا لو كان لدى الفرق الأفضل بيئة منفتحة
تسمح لهم بالحديث
بل للوصول إلى جذور هذه الأخطاء؟
حسناً، التفطّن لمثل هذا الأمر
يختلف كلياً عن محاولة إثباته.
فما الذي فعلته؟
أرسلت باحثاً من مساعديّ الشبان
لدراسة هذه الأقسام بعناية.
كان عليه ألّا يٌكوّن أي فكرة مسبقة،
فلم يكن يعرف معدل الأخطاء
لم يكن يعرف نتائج الفِرق في الاستبيان،
بل لم يكن يعرف بفرضيّتي.
وعندما سألته "ما الذي تعلّمته؟"
هل تعلمون ماذا وجد؟
لقد وجد بأن هذه الأقسام، كل الثمانية،
كانوا مختلفين كليّاً
من ناحية كونهم مستعدين وقادرين
بل كونهم قد تحدثوا فعلياً عن أخطائهم.
بعضهم كان يتحدث عن أخطائه على الدوام
في محاولةٍ جماعية للعمل سويّاً
على إيجاد طرقٍ جديدة
لتقليل الأخطاء.
في وقت لاحق، أسميت هذا الموضوع
"الأمان النفسي"
وربما يهمّكم أن تعرفوا القاعدة
التي استخدمت في تصنيف هذه القائمة،
ربما يظهر في البداية
بأنني حاولت ترتيب معدّل الأخطاء
من الأعلى إلى الأدنى،
وبأنني ضعيفة في الحساب
فاختلط الأمر عليّ
كلّا.
لقد رُتّبت هذه القائمة
نتيجة لمعدلات الانفتاح
في بيئة العمل التي أجراها مساعدي
وكما يتضح لكم، يبدو الترابط عالياً بالفعل.
حسناً، كيف تبني الأمان النفسي؟ ماذا تفعل؟
لو كنت قائداً يقول لنفسه "حسناً، أريد
الحصول على الأمان النفسي في بيئة عملي؟"
دعني أقترح عليك ثلاثة أمور
بسيطة يمكنك عملها
كي تجري الممرضة تلك المكالمة،
وأن يتحدث الطيار دون خوف،
وأن يبدي المدير التنفيذي
رأيه في الاستحواذ،
أولاً، صوّر العمل كتحدٍّ معرفي،
لا تحدٍّ في التنفيذ،
أدرك، ووضّح للجميع، بأن الطريق
للمستقبل يلفّه الغموض
وبأن الحاجة ماسّة إلى الترابط.
ومتى توفر هذين الشرطين،
نحن لم نكن هنا من قبل
ولا ندري ما الذي سيحدث.
لذلك فعلى الجميع أن يشاركنا بعقله وبصوته.
هذا هو ما يخلق البيئة التي تتقبّل الصراحة
ثانياً، اعترف بأنك قد تخطئ.
فأنت تعلم بأنك لست معصوماً.
قُل أموراً بسيطة كقولك،
"ربما فاتني شئٌ ما، أحتاج إلى رأيك"
هذا ينطبق على مرؤوسيك،
كما ينطبق على بقية زملائك
وهذا ما يخلق أماناً أكثر للحديث بصراحة.
وثالثاً، كن محبّاً للاستطلاع،
أثر الكثير من الأسئلة.
فهذا ما يخلق الحاجة إلى الحديث.
وكما ترون، هذه الثلاثة أمور البسيطة،
قد تأخذكم بعيداً
نحو خلق بيئة عمل
يمكن فيها تفادي الكوارث المتوقعة
في القصص التي مرّت بنا في البداية.
والآن، بعد فترة من شرح وتعليم
مثل هذه الأمور
معظم المدراء الذين أتحدث إليهم،
يصابون بشيءٍ من التوتر
يقولون "أتفهّم ذلك، وأرى كيف يمكن
لشيءٍ كهذا أن يساعد الناس على التعلّم
أتفهّم، ولا أريد أن أسمع عن الأخطاء.
ولكن، هل تقولين بأنني يجب
أن أتخلى عن المطالبة بالتميّز؟
ألم يعد من الممكن
أن يحمّل الناس مسؤولية تحقيق نتائج متميزة؟
أن نبقيهم تحت الضغط لتحقيق هذه النتائج؟"
فأجيب "لا، في الحقيقة،
لا أظن بأننا أمام مقايضة.
أظن بأننا أمام أمرين مختلفين.
أمران، يجب أن تفكر فيهما"
واقعيّاً، عندما أتحدث عن الأمان النفسي،
فأنا أتحدث عن التخفيف من الضغط
على فرامل السيارة
ولا أتحدث هنا...
عن البنزين.
فأنا لا أتحدث عن التحفيز.
هناك الكثير مما يمكن قوله عن التحفيز،
فهو مهم جداً، ومن المهم فهمه.
ولكني أقول، بأنه من المهم أيضاً أن
نعطي الناس مساحةً من الحرية،
أن نحثّهم على المشاركة،
وألّا يخافوا من بعضهم البعض.
فإن لم تقم بأيٍّ من الأمرين
فهذه هي منطقة اللامبالاة،
وهذا شيءٌ محزن، فلنتحدث عن شيءٍ آخر
وإن كنت تعمل على الأمان النفسي فقط،
فنعم، بالطبع، من الممكن
بأنك تخلق بيئة من الراحة٬
ليس فيها الكثير من الإنتاجية
ولكن، هذه المنطقة التي تثير قلقي حقاً
وأتمنى أن تثير قلق
الكثير من المدراء كذلك.
فإن كنت دائماً ما تتحدث
عن مسؤولية موظفيك عن التميّز فقط
ولم تكن تعمل على خلق بيئةٍ لا يخشون
فيها الحديث إلى بعضهم البعض
فهم في منطقة القلق.
كانت الممرضة في هذه المنطقة،
والطيار الشاب كذلك،
حتى المدير التنفيذي كان في ذات المكان،
ومن الخطر التواجد في مكانٍ كهذا.
وبالطبع، أين أريدكم أن تتواجدوا؟
أريدكم منكم التواجد في منطقة التعلّم.
ودعوني أقول هنا، في حال
لم يكن هذا واضحاً حتى الآن،
بأن هذه هي ذات منطقة الأداء المميّز
متى كان هناك غموض في المستقبل،
وهناك حاجة للعمل الجماعي.
فإن لم يكن المستقبل غامضاً،
ولا حاجة هناك للعمل الجماعي، فحسناً
أنت لا تحتاج إلى الأمان النفسي.
من الجيد أن يكون متوفراً،
ولكنه ليس ضرورياَ.
ولكن إذا كان لديك غموض في المستقبل،
وحاجةً إلى العمل الجماعي
فإنه لا مفر من أن يكون لديك أمانٌ نفسي.
لذلك في أماكن العمل، بكل
ما فيها من تعقيد وتداخلات،
لن يتغير أيّ من هذا في المستقبل القريب.
نحتاج الناس أن يأتوا بكامل عدّتهم،
ليواجهوا تحديات وظائفهم،
وأتمنى منكم مساعدتي في خلق
هذه النوعية من بيئات العمل
حيث يتعلّم الناس ويبذلون كل ما لديهم.
شكراً لكم.
(تصفيق)