موسيقى
د. ستيفن زاكر: نحن في متحف بيرغامون في مدينة برلين الألمانية
ومن ضمن أكثر التحف المعروضة إبهاراً يوجد
--في الحقيقة هو ليس تحفة
د.بيث هاريس: انه بوابة رئيسية لأحد المدن
وهو أحد الأبواب الثمانية التي يتألف منها
السّور المحيط حول مدينة بابل القديمة
د. زاكر: انه ضخم حقاً
د. هاريس: وهو لا يبهرنا نحن المعنيين فقط
لقد أبهر جميع الناس
لذا اختير كأحد عجائب الدنيا السبعة
د. زاكير: بدأت القصة عندما تولى نبوخذ نصر الإبن الحكم
وهو أحد اشهر ملوك الدولة البابلية الحديثة الذي قرر إعادة بناء
وترميم مدينة بابل القديمة
وهي المدينة التي يمتد جذور تاريخها الى آلاف السنين قبل الميلاد
واشتهرت قديماً عندما أصبحت مركز الحكم
للملك حمورابي في 1700 قبل الميلاد
وبقيت المدينة منذ ذلك الحين مزدحمة ومالبثت أن اتخذت أهمية أكبر أثناء القرن السادس قبل الميلاد
خلال فترة حكم نبوخذنصر II الذي سبقه والده
وما نراه الآن هو جزء من الإنجاز العمراني الضخم
الذي انكب عليه نبوخذنصر II
د. هاريس: يمكننا الإستدلال على نبوخذنصر من الإنجيل
في سفر دانييل
وهو المعروف بالحاكم البابلي الذي حكم القدس وحطّم معبد اليهود
وكان هو المسؤول عن نفي اليهود
د. زاكر: يبدو جلياً بأنه تمتع بشخصية جبارة
حتى يستطيع انجاز هذه العظمة من العمران
إذ أصر على تحصين بابل جيداً
ببناء سور يمتد 12 كيلو متراً حول المدينة
كما عمل على إعادة يناء الزقورة العظيمة (معبد بابلي)
والتي يوجد على رأسها معبد مردوك
وهو في الحقيقة كان البداية لبناء برج بابل الشهير فيما بعد
بنى العديد من القصور ويعود له الفضل في بناء هذا السور العجيب
د.هاريس: وكذلك الحدائق المعلقة الشهيرة
كونها أحد عجائب الدنيا
حسناً، امتلكت مدينة بابل ثمانية أبواب مزدوجة
هذا أحدها
وفي الحقيقة هو الجزء الصغير من البوابة المزدوجة
بالطبع الجزء الأكبر هو أضخم من هذا بكثير
اعتقد انكم تستطيعون التخيل معي!
د. زاكر: في الحقيقة هو ضخم لدرجة لا يستطيع المتحف عرضه
حتى مع هذه المساحة الكبيرة المتوفرة
وعندما كانت تُفتح هذه البوابة؛ لغير الأعداء بالطبع
كانت هي نهاية طريق طويل متفاوت العرض
يمتد على جوانبه رسوم دقيقة لأسود تكاد تزأر
بالعز والقوة وبإسم نبوخذنصر
وتعتبر هذه الأسود التي تم تكرارها بشكل متتابع
رمزاً لعشتار، الآلهة البابلية
وهي آلهة الجنس والحب، والجمال والحرب عند البابليين
د. زاكر: تم وضعهم بمكان على مستوى النظر
وهم أصغر من حجم الأسد الحقيقي
ولكنهم كبيرين نسبياً
د. هاريس: كما يمتلكون رهبة الأسد الحقيقية
فأفواههم مفتوحة بشراسة حتى تكاد تسمع زئيرهم
د. زاكير: في الحقيقة يمكنكم سماع زمجرتهم، اليس كذلك
د.هاريس: بالفعل، ولكن طريقة رسمهم بهذا الشكل
المصفوف وعلى خط مستقيم، تجعلهم كأنهم
مدربين بصرامة
من قبل نبوخذنصر نفسه
د. زاكير: وهو مايجعلنا نخشى الأسود المحيطة
والملك نفسه
اتقان رسم الأسد هو شيء جميل
بالخزف الذي جعل اللوحات تبدو منحوتة
وبالإضافة للأسود، يوجد نوعين آخرين من رسوم الحيوانات
التي زينت البوابة، وجميعها اختيرت
شرسة مثل الأسود
وهذا الثور الأسطوري والمعروف بأوروك
والذي ذاع عنه صيت الشراسة الوحشية
وبالتبادل مع ثور الأوروك
يوجد التنين المعروف في بلاد مابين النهرين
وهو عبارة عن وحش مركب
قائمتيه الأماميتان هما قوائم أسد
رأسه وعنقه كالأفعى أو الزواحف
قوائمه الخلفية تعود للنسر
د. هاريس: أما ذيله
فيبدو كنهاية ذيل العقرب
د. زاكر: جيوش التنين والمردوك
هي أشبه بالعين الساهرة على حماية المدينة
كما اتخذ نبوخذ نصر من ثور المردوك
رمزاً له
وهي المعروفة كونها رمز للآلهة
وهي آلهة العواصف
والأرض الخصبة
والحصاد
جميع هذه المخلوقات تزمجر لحماية المدينة
وكذلك رعايتها
د. هاريس: انه مخلوقات شديدة الضراوة
ولكن تم عرضها بشكل منظم ودقيق
على مدى الطريق المؤدي للبوابة وكذلك على قوسها وبرجها
حتى يمكن القول أنها متناظرة
فهناك دقة في الأبعاد المتساوية لتوزيعها
د. زاكير: من أهم مميزات الأبراج التابعة للبوابة
أي من جميع الأجزاء المتعلقة فيها، هو لونها
فهي كانت موجودة في طقس جاف حيث الشمس ساطعة وحارة في معظم الأوقات
وبالطبع يمكنك تخيل تأثير اللونين الأزرق و الأخضر
ليس على المتحف ولكن لمدينة تقع على أطراف الصحراء
في بلاد مابين النهرين كان هناك مشكلة حقيقية
فكما تعلمون قام المصريين القدماء ببناء
الأهرامات العظيمة وغيرها من الآثار
من الحجر الطبيعي الذي كان يحيط بها
ولكن بلاد مابين النهرين لم يمتلكون أي أحجار
ومدينة بابل كانت تقع على رافد نهر الفرات
في الواقع كان النهر يقطع في المدينة
لذا عندما قرر البابليون البناء
اخترعوا الطوب
مستخدمين الطين ومياه النهر المحيط بهم
واللون الأزرق الجذاب الذي نجده على البوابة من الخزف
والخزف كانت تقنية معروفة لدى المصريين القدماء
والعديد من الحضارات غيرها
حيث كانوا يستعملون النحاس للحصول على هذا اللون الأزرق الجميل
وهذا شاهد جميل على ذلك
د. هاريس: إذن تعتبر هذه البوابة ضخمة بشكل مرعب، ومزخرفة بشكل جميل
وتم تلوينها بلمسات ذكية
وليس من المستغرب أن نبوخذنصر كان فخوراُ بها
ونقش عبارة على أحد جوانبها
د. زاكير: دعونا نذهب لقراءتها
نحن نعلم أين هو المكان الحقيقي لهذا النقش على الجدار
ولكن بعد ترميم الجدار أصبحت موجودة على الجانب الأيسر للبرج الأيسر
وهذا اقتباس للعبارة: أنا نبوخذنصر وضعت حجر الأساس للبوابة على الأرض
وجعلتهم يبنون أحجار زرقاء ناصعة
على الحيطان الداخلية للبوابة يوجد الثيران والتنانين
التي زينتها بشكل فخم ومثير للدهشة حتى ترعب الناس
د. هاريس: ولا زلنا مرعوبين حتى بعد مرور آلاف السنين
د. زاكر: لقد عرف نبوخذنصر أهمية موقع بابل عبر التاريخ
لذا قام بنقش أفكاره في مبناه الجديد
متوجهاً بها الى شعبه الحالي وشعبه القادم
طالباً من الحكام الذين سيلوه من استكمال البناء
د. هاريس: وكأنه كان على علم بنهوض وإندثار الحضارات
د. زاكير: وكأنه يتكلم عبر التاريخ
حتى يبدو أن حاكم بلاد مابين النهرين في زمننا استمع لنصيحته
وهي تدعى العراق
حيث بدأ صدام حسين في إعادة اعمار بعض أجزاء بابل
وقام ببناء قصره على بعد أمتار قليلة من بوابة عشتار
كما بدأ بإعادة بترميم بعض أجزاء المدينة
بالطبع تم توقيف جميع هذه الأعمال الإنشائية بعد الحرب العسكرية على العراق
والتي انتهت بمقتله
وليموت معه العبرة وراء بناء هذه البوابة الأسطورية وهو حماية المدينة
لقد انكب صدام حسين بالفعل على إعادة إعمار بابل
ولكن ليس من أجل نبوخذنصر وإنما لتحقيق طموحه
د. هاريس: وكأنه يحاول الحصول على جبروت نبوخذنصر نفسه
صحيح وعلى عظمة بلاد مابين النهرين
موسيقى