1 00:00:06,762 --> 00:00:11,233 قال أرسطو مقولته المشهورة: " الطبيعة تخشى من الفضاء الفارغ". 2 00:00:11,233 --> 00:00:16,017 عندما ادعى أن الفراغ الحقيقي الذى هو فضاء خالي من المادة، لايمكن أن يكون موجوداً. 3 00:00:16,017 --> 00:00:19,105 لأن المادة المحيطة به سوف تملؤه على الفور. 4 00:00:19,105 --> 00:00:21,994 لحسن الحظ، فقد اتضح أنه مخطىء. 5 00:00:21,994 --> 00:00:25,010 الفراغ هو عنصر أساسى فى جهاز الباروميتر، 6 00:00:25,010 --> 00:00:27,492 وهو جهاز لقياس ضغط الهواء. 7 00:00:27,492 --> 00:00:30,107 ولأن ضغط الهواء يرتبط بدرجة الحرارة، 8 00:00:30,107 --> 00:00:32,032 والتغيرات السريعة فيه يمكنها أن تساهم في 9 00:00:32,032 --> 00:00:35,643 إحداث الأعاصير، والزوابع وغيرها من الظواهر المناخية الحادة، 10 00:00:35,643 --> 00:00:38,156 لذا، فإن الباروميتر هو إحدى الأدوات الأساسية 11 00:00:38,156 --> 00:00:41,840 لخبراء الأرصاد الجوية وأمثالهم من العلماء. 12 00:00:41,840 --> 00:00:44,766 كيف يعمل الباروميتر، وكيف تم اختراعه؟ 13 00:00:44,766 --> 00:00:46,448 حسناً، لقد احتاج لبعض الوقت. 14 00:00:46,448 --> 00:00:49,741 لأن نظرية أرسطو وغيره من الفلاسفة القدامى، 15 00:00:49,741 --> 00:00:54,986 بشأن استحالة وجود الفراغ قد بدت حقيقة في ذلك الوقت، 16 00:00:54,986 --> 00:00:59,040 قلة من الناس فكروا بجدية ليشككوا فيها لما يقرب من 2000 عام. 17 00:00:59,040 --> 00:01:01,541 حتى عادت الحاجة الملحة للتساؤل مجدداً. 18 00:01:01,541 --> 00:01:05,550 في بدايات القرن السابع عشر، واجه عمال المناجم في إيطاليا مشكلة خطيرة، 19 00:01:05,550 --> 00:01:08,442 عندما وجدوا أن مضخاتهم لا يمكنها رفع المياه 20 00:01:08,442 --> 00:01:10,822 لارتفاع أكثر من 10.3 متر. 21 00:01:10,822 --> 00:01:14,883 بعض العلماء في ذلك الوقت ومن ضمنهم جاليليو جاليلي، 22 00:01:14,883 --> 00:01:20,310 اقترحوا أن شفط الهواء من الأنابيب هو الذي أدى لارتفاع منسوب المياه لتحل محل الفراغ. 23 00:01:20,310 --> 00:01:25,606 إلا أن قوة هذه الطريقة كانت محدودة ولا يمكنها رفع أكثر من 10.3 متر من المياه. 24 00:01:25,606 --> 00:01:28,523 ومع ذلك فإن فكرة وجود الفراغ ككل، 25 00:01:28,523 --> 00:01:30,728 كانت لا تزال مسألة مثيرة للجدل. 26 00:01:30,728 --> 00:01:33,647 والإثارة التي سببتها نظرية جاليليو غير التقليدية، 27 00:01:33,647 --> 00:01:38,231 قادت جاسبارو بيرتي للقيام بعمل تجربة بسيطة ولكن عبقرية، 28 00:01:38,231 --> 00:01:40,213 ليوضح أنها كانت ممكنة. 29 00:01:40,213 --> 00:01:42,402 تم ملء أنبوب طويل بالماء، 30 00:01:42,402 --> 00:01:46,321 وتم وضعه منتصباً في بركة ضحلة مع إغلاق كلتي الفتحتين. 31 00:01:46,321 --> 00:01:48,948 ثم تم فتح النهاية السفلى للأنبوب، 32 00:01:48,948 --> 00:01:51,429 حيث انسكبت المياه إلى الحوض. 33 00:01:51,429 --> 00:01:56,096 حتى وصل منسوب المياه المتبقية في الأنبوب إلى 10.3 متر. 34 00:01:56,096 --> 00:02:00,017 ومع وجود فجوة متبقية فى القمة، وحيث لا يوجد هواء قد دخل إلى الأنبوب، 35 00:02:00,017 --> 00:02:04,401 فقد نجح "بيتري" في عمل فراغ مستقر بطريقة مباشرة. 36 00:02:04,401 --> 00:02:08,497 ولكن بالرغم من أن إمكانية وجود الفراغ قد تم توضيحها، 37 00:02:08,497 --> 00:02:11,411 لكن لم يكن الجميع مقتنعين بفكرة جاليليو. 38 00:02:11,411 --> 00:02:14,463 بأن هذا الفضاء الفارغ كان يمارس بعض القوى الغامضة 39 00:02:14,463 --> 00:02:16,943 المحدودة على المياه. 40 00:02:16,943 --> 00:02:20,973 " إيفانجيليستا تورشيللي" وهو تلميذ "جاليليو" الشاب وصديقه، 41 00:02:20,973 --> 00:02:23,676 قرر أن ينظر إلى المسألة من زاوية مختلفة. 42 00:02:23,676 --> 00:02:27,017 بدلاً من التركيز على الفضاء الفارغ داخل الأنبوب، 43 00:02:27,017 --> 00:02:30,390 فقد سأل نفسه، "ما الذي يمكنه أن يؤثر أيضا على المياه؟" 44 00:02:30,390 --> 00:02:34,328 ولأن الشىء الوحيد الذى كان فى تلامس مع الماء هو الهواء المحيط بالبركة، 45 00:02:34,328 --> 00:02:38,159 فقد اعتقد أن ضغط الهواء قد يكون هو الشىء الوحيد الذي يمنع 46 00:02:38,159 --> 00:02:41,247 منسوب المياه في الأنبوب من الهبوط إلى الأسفل. 47 00:02:41,247 --> 00:02:45,151 لقد أدرك أن التجربة لم تكن فقط أداة لخلق فراغ، 48 00:02:45,151 --> 00:02:47,288 ولكن عملت على إحداث توازن 49 00:02:47,288 --> 00:02:50,681 بين الضغط الجوي على المياه خارج الأنبوب، 50 00:02:50,681 --> 00:02:53,895 و بين الضغط الناتج من عمود المياه داخل الأنبوب. 51 00:02:53,895 --> 00:02:58,534 ينخفض منسوب المياه في الأنبوب حتى يصبح الضغطين متساويين. 52 00:02:58,534 --> 00:03:02,342 والذي يحدث فقط عندما يكون منسوب المياه 10.3 متر. 53 00:03:02,342 --> 00:03:04,655 لم يتم قبول هذه الفكرة بسهولة. 54 00:03:04,655 --> 00:03:07,553 ومثلما كان "جاليليو" وآخرون يفكرون قديما 55 00:03:07,553 --> 00:03:12,064 أن الهواء الجوي ليس له وزن ولا يشكل أي ضغط. 56 00:03:12,064 --> 00:03:14,898 قرر "تورشيللي" تكرار تجربة "بيرتي". 57 00:03:14,898 --> 00:03:16,851 ولكن باستخدام الزئبق بدلاً من الماء. 58 00:03:16,851 --> 00:03:20,168 لأن الزئبق أكثر كثافة، فهو يهبط بشكل أبعد من الماء، 59 00:03:20,168 --> 00:03:23,994 وعمود الزئبق يصل طوله إلى نحو 76 سنتيمتر. 60 00:03:23,994 --> 00:03:28,245 هذا لم يسمح فقط ل "تورشيللي" من جعل الجهاز أكثر إحكاما، 61 00:03:28,245 --> 00:03:32,341 وإنما دعم فكرته حول كون الوزن هو العامل الحاسم. 62 00:03:32,341 --> 00:03:37,891 في تعديل للتجربة تم استخدام أنبوبان مع وجود فقاعة كبيرة في أعلى إحداهما. 63 00:03:37,891 --> 00:03:42,136 إذا كان تفسير "جاليليو" صحيحاً فإن الفراغ الأكبر في الأنبوب الثاني 64 00:03:42,136 --> 00:03:45,805 سوف يمارس شفطا أكبر، وسيرفع منسوب الزئبق أكثر. 65 00:03:45,805 --> 00:03:48,840 لكن المنسوب كان متساوياً في كلا الأنبوبين. 66 00:03:48,840 --> 00:03:53,085 أتى التأييد الكامل لنظرية "تورشيللي" من "بليز باسكال"، 67 00:03:53,085 --> 00:03:56,308 الذى أخذ أنبوبًا من الزئبق وصعد به إلى قمة جبل، 68 00:03:56,308 --> 00:03:58,278 وأظهرأن منسوب الزئبق قد انخفض، 69 00:03:58,278 --> 00:04:02,031 حيث أن الضغط الجوي يقل عند الارتفاع. 70 00:04:02,031 --> 00:04:05,451 الباروميتير الزئبقي الذي يعتمد على نموذج "تورشيللي" الأصلي، 71 00:04:05,451 --> 00:04:10,366 ظل واحداً من أكثر الطرق شيوعاً لقياس الضغط الجوي حتى عام 2007 72 00:04:10,366 --> 00:04:13,623 حينما تم تطبيق حظر على استخدام الزئبق نظراً لخواصه السامة، 73 00:04:13,623 --> 00:04:16,853 مما أدى لتوقف إنتاجه فى أوروبا. 74 00:04:16,853 --> 00:04:18,932 ومع ذلك، فإن اختراع "تورشيللي"، 75 00:04:18,932 --> 00:04:22,076 الذي ولد من الرغبة في التشكيك في العقائد المقبولة لوقت طويل، 76 00:04:22,076 --> 00:04:25,802 عن الفراغ ووزن الهواء التي تعتبر أمثلة بارزة. 77 00:04:25,802 --> 00:04:29,077 عن أن التفكير خارج الصندوق أو- خارج الأنبوب- 78 00:04:29,077 --> 00:04:30,589 يمكن أن يكون له تأثير قوي.