طاب مساؤكم جميعاً.
منذ ما يقرب من 35 عاماً،
كانت أول مرة أسير على خشبة
هذا المسرح الصغير.
ولم يتغير الكثير،
رغم ما ذكره جايوون في البداية،
في حديثه عن مدى تغيّرنا -
هناك شيء واحد لم يتغير كثيراً
وهو المسرح الصغير.
وشيء آخر أيضاً لم يتغير وهو
حبي للمادة العلمية التي أقوم بتدريسها،
علم الأحياء.
دعوني أخبركم عن السبب.
يأسرنى كيف أن لجزيء صغير،
جسيم متناهي الصغر،
مثل هذا التأثير الهائل.
ويبهرنى أنه ليس مجرد جزيء واحد.
وأعشق كيف يكون هناك دائماً
شيء جديد لتعلمه.
حسناً، اسمحوا لي أن أبدأ بقصة صغيرة.
عندما كنت صغيراً،
سجلتني أمي مع أخي بدروس
تعلم ألعاب الخيل البهلوانية.
(ضحك)
الآن، قد تسألون:
ما هي ألعاب الخيل البهلوانية؟
أعلم أنني لم أسمع أبداً بها،
بل من المحتمل أنكم لم تسمعوا بها،
لكن هذا ما جعلتنا أمي نفعله!
(ضحك)
كنا أنا وأخي قد انتقلنا للتو من طوكيو
الحضرية جداً
إلى جانب ريفي للغاية من ألمانيا الغربية.
وفجأة، أصبحت المزارع تحيط بنا،
والهواء النقي،
والجرارات،
وبدا أن كل الأطفال يجيدون ركوب الخيل.
لذا سألنا أمي،
"هل يمكننا أن نأخذ دروس ركوب الخيل؟"
وهكذا سجّلت لنا في حصص
ألعاب الخيل البهلوانية.
(ضحك)
والأمر مفزع تماماً كما يوحي اسمه.
هكذا كنا،
الأطفال الهنود الوحيدين لعدة أميال،
الوحيدين الذين لم يتربوا على ركوب الخيل،
وكان علينا أن نقف على ظهر الخيل،
وأن نقفز من حصان إلى آخر،
وأن نستدير على ظهره،
وكانت تلك الحركة المفضلة لدي.
(ضحك)
كنت طوال الوقت أسمع صراخاً بالألمانية،
"Füße strecken, Füße strecken!"
التي تعني: "مدّ قدميك، مدّ قدميك".
وكنت أتساءل طوال تلك الأشهر عن السبب.
لماذا تريدنا أمي أن نفعل هذا؟
(ضحك)
وفي أحد الأيام، بينما كانت أمي توصلنا
إلى التدريب، رأت طفلاً يقوم بهذا.
سألتني: "أميت،
ألا تحب تعلم كيفية القيام بذلك؟"
فأجبتها: "أمي! هذا ما نفعله!"
لأن ما حدث أن أمي لا تتحدث الألمانية،
وظنّت أنها سجلتنا في دروس ركوب الخيل،
غير أنه انتهى بنا الحال في أكروبات الخيول.
(ضحك)
وهذا ما فعلناه لبضعة أشهر.
ثم انتقلنا إلى نشاط آخر.
ثم أمضيت الأشهر القليلة التالية
أُلقى من أطفال ألمان يكبرونني في السن
من ركن غرفة إلى آخر
لأن أمي لم تكن قد تعلمت الألمانية بعد،
وأنا على يقين من أنها سجّلتنا
في الفئة العمرية الخاطئة.
ولكن على أي حال، قد تتساءلون،
لماذا أخبركم بهذه القصة اليوم؟
ما علاقة هذا الأمر بحبي لعلم الأحياء؟
في الواقع،
كنت قد نسيت تلك القصة منذ فترة طويلة،
حتى حوالي 10 سنوات ماضية،
عندما بدأت أرى تلك الأبحاث التي تتناول
الأطفال الذين ترعرعوا في المناطق
الريفية بألمانيا.
سمعتم بتلك المناطق الرعويّة التي تحدّث
عنها الدكتور كاربنتر.
وفي مثل تلك المناطق، يبدو أن للأطفال
سمات مثيرة للاهتمام.
بينما في جميع أنحاء العالم - لا سيما
في الدول النامية -
كانت ترتفع مستويات الربو وغيرها من أنواع
الحساسية،
لم يظهر ذلك في تلك المجتمعات الريفية.
في جميع أنحاء العالم - أقصد في الدول
النامية، عذراً -
شهدنا ارتفاعاً كهذا،
حيث كانت حالات الربو وغيرها من الحساسية
آخذة في التزايد من اثنين إلى ثلاثة أضعاف.
وفي التسعينات، عندما اعتقدنا أن الأمور
قد استقرّت،
أعلنت مؤسسة روبرت كوب في ألمانيا
أن الأعداد تزايدت بنسبة 30% فقط.
الآن، يمكنني أن أريكم شريحة عن أي نوع
من الحساسية،
وأن أعرض عليكم شريحة من أي بقعة
من دول العالم النامي،
وسيبدو الأمر هكذا.
وهذا الارتفاع أسرع من أن يكون وراثياً.
لا بد أن للأمر علاقة بالبيئة.
فالسؤال إذاً:
"ما الذي يوجد في البيئة تحديداً؟"
وكانت هناك العديد من الأفكار الرائعة.
قد يكون تأثير تلوث الهواء،
أو من النظام الغذائي،
أو تلفزيون القمر الصناعي أو المايكروويف.
قد يكون بسبب الاستماع إلى موسيقى الروك
أو فريق سبايس غيرلز.
قد يكون أي سبب من تلك.
لم نكن نعلم.
وفقط عندما ظهرت الأبحاث
التي تناولت ظروف نشأة الأطفال
في تلك المجتمعات الزراعية
تبيّن انخفاض فرص الإصابة بالربو.
ظهرت عند هؤلاء الأطفال أعراض حساسية
أقل بكثير
حتى أن الناس ظنوا:
"حسناً، ربما نحن الآن على المسار الصحيح".
وهذا - ربما سمعتم بهذا -
ما يسمى بتأثير المزرعة:
فكرة أن الأطفال الذين نشأوا في مناطق
ريفية -
وهم يستنشقون هذا النوع من الهواء -
تقل عندهم أعراض الإصابة بالحساسية.
وهو مجرد فرع مما يسميه الناس فرضية
النظافة الشخصية،
أي فكرة أنه إذا تعرضّت إلى نوع
من البكتيريا في وقت مبكر من حياتك،
سيمنحك هذا توازناً في جهاز المناعة لاحقاً
ويحميك من عدد من تلك الحالات.
وبدأ الأطباء يرفعون شعار:
"بالقليل من الغبار لن تضار".
ويبدو أن الأمر يتعلق باثنتين
من مكونات الهواء الحيوية.
أولاً، تلك المسماة
بـ"السمّيات داخلية المنشأ".
هي القليل من الشظايا البكتيرية الموجودة
في حظائر البقر وفي أماكن أخرى من المزرعة.
والمكوّن الثاني شُرب حليب غير معقّم
أو غير مبستر.
ولكن لفترة طويلة، كان الأمر حكاية.
لم يكن هناك مكون جزيئي حقيقي،
وربما كانت مجرد نظرية طريفة.
وبالتالي، ما أريد مشاركته معكم اليوم
هو بعض الأمور المثيرة التي ظهرت
للتو في العام الماضي.
في سبتمبر، تم نشر بحث
يعرض أنه إذا تعرّض الفئران
إلى تلك السمّيات داخلية المنشأ -
البكتيريا،
الشظايا البكتيرية في الهواء -
يحدث شيئاً مثير للاهتمام.
إذا تعرّضت الفئران إلى الغبار، يتكوّن
لديها تأثير صفيري كالربو.
وهو ما حدث لهذا الفأر هنا.
إذا أخذت نوع الفئران نفسه،
لكن بعد عرضهم على السمّيات هذه -
ليستنشقوها -
ثم عرّضتهم لنفس الغبار،
لن تتأثر الفئران على الإطلاق.
ما نشروه في سبتمبر
وضّح أن هناك على ما يبدو شيء في الرئة
يمكن عزله،
الجزيء المسمي A20.
كان أمراً مثيراً.
والآن إليكم الجزء المثير.
عندما أخذوا الفئران التي لم تستنشق
تلك السمّيات،
مع وضع جزيء A20 في رئتيهم
واستنشاق الغبار،
شعروا بسعادة.
لم تظهر عليهم أعراض الربو.
والأفضل من ذلك،
عندما أخذوا الفئران التي تعرضت
إلى السمّيات
ولم يسمحوا لهم بإفراز جزيء A20،
أي تم حجبه عنهم،
ووضعوه في الغبار،
انزعجت الفئران للغاية.
لذا، تبيّن أن التعرّض لتلك السمّيات،
تلك الشظايا البكتيرية، مرة أخرى،
ينتج عنه إفراز هذا الجزيء المسمى
A20 في رئاتنا،
مما ينتج عنه بشكل ما،
حماية الثدييات.
تذكّروا الآن ما قلته عن حبي بعلم الأحياء.
قلت أنني أحب تلك الجسيمات الصغيرة،
الجسيمات الصغيرة حرفياً،
تلك الجزيئات متناهية الصغر،
قد يكون لها هذا التأثير الهائل.
لكنني قلت أيضاً أنها ليس مجرد سبب واحد.
لعشقي لعلم الأحياء سبب آخر، السبب الرابع،
هو أنّ النقاش فيه دائماً ما يكشف المزيد.
إذا ما هي الاحتمالات الأخرى؟
كما يتضح
لدينا أيضاً هذا العدد الهائل من البكتيريا
الصديقة في أمعائنا:
الميكروبيوم.
وقد بيّنت أن المجتمعات،
تلك المجتمعت الريفية،
كما في الهند وفي ألمانيا،
حتى في أماكن مختلفة مثل بوركينا فاسو،
في تلك المجتمعات الريفية
أشخاص لديهم بكتيريا أكثر تنوعاً،
وأن المادة الجينية للميكروبات في أمعائهم
أكثر إثارة للبحث.
مما يرتبط بانخفاض حالات الإصابة
بأمراض مثل الربو والحساسية وغيرها.
كانوا يعلمون هذا أيضاً،
لكن ما هو الأمر الرائع
الذي نُشر للتو يوم الخميس.
يوم الخميس الماضي، نشرت ورقة بحثية
تبيّن هذا.
أنه إذا تغذّت الفئران على نظام غذائي
عال الألياف،
تتطوّر لديهم أنواع بكتيريا غنية متنوعة،
مجتمعات بكتيرية نافعة في الأمعاء،
وهذا مفيد لهم.
فهي تحميهم من أمراض مثل الربو.
في المقابل،
عند إعطائهم ألياف منخفضة
وسكريات عالية،
ما يلقبه الباحثون باسم
"النظام الغذائي الغربي"،
عندما تعطيهم هذا النوع من الغذاء،
لا يتكوّن عند الفئران هذا النوع
من البكتيريا النافعة،
بل مجتمع بكتيرى كبير ومتنوع نوعاً ما.
وبالتالي لا تعدّ تلك الفئران محمية
من الربو وغيره.
لكن الرائع بالنسبة لنا المقيمين في البيئات
الحضرية هو التالي:
إذا خضعت بعدها تلك الفئران إلى نظام غذائي
عال الألياف،
ستعيد إفراز مادة جينية جيدة ومتنوعة.
لكن إليكم المفاجأة.
ما تم نشره الأسبوع الماضي هو التالي:
إذا خضعت الفئران الحوامل لهذا النظام
الغذائي منخفض الألياف،
لا يكون تناقص البكتيريا مؤقتاً بعد الآن
ولا يمكن عكسه.
عندما نمرّ عبر قناة الولادة،
نكتسي ببكتيريا الأم،
وهي، إذا اتفقتم معي، بمثابة البيئة الأولية
للبكتيريا الخاصة بنا.
أما الفئران التي لم تتعرّض
لهذه البكتيريا
لا يمكنها أن تفرز البكتيريا النافعة.
وبالتالي لا يمكنها أن تنقلها،
وفجأة،
يستمر هذا النقص من جيل إلى جيل،
وعليه الـ30% نسبة الارتفاع في الإصابة
بالربو التي عرضتها سابقاً
تبدو منطقية.
وبالتالي يكون ممكناً
أن تلك السنوات القليلة التي أمضيتها
أنا وأخي في ريف ألمانيا الغربية
صنعت المعجزات في جهازنا المناعي.
ولكنني أعتقد أن هناك أمر آخر أيضاً.
أعتقد أن السقوط من على ظهر الحصان
إلى الوحل طيلة تلك الأشهر
ساعدني على تطوير شيء آخر أيضاً.
لأنه في كتاب جيسيكا ليهي الرائع
بعنوان "نعمة الإخفاق"،
تقول أنه في عالم اليوم،
حيث لم نعد خائفين
من النمور المتوحشة أو من السقوط من أعلى
المنحدر،
صار أعظم خوف يغرسه الآباء في أطفالهم
الآن هو الخوف من الإخفاق.
لذا عندما يقوم الأهل
بمحاولة التخطيط المصطنع لإبعاد الفشل
عن حياة أطفالهم،
وهذا ما تظهره المعلومات حول العالم،
يطوّر هؤلاء الأطفال شعوراً بالغاً...
بالحماقة؟
عدم الكفاءة؟
يشعرون بعد استحقاقهم للثقة،
ويشعرون بعدم القدرة نهائياً على تجربة
أشياء جديدة.
ولا يصبحوا قادرين على التعامل مع الإخفاقات
الأكبر في حياتهم لاحقاً.
وأعتقد أن هناك توازٍ حقيقي هنا.
فبما أن التعرّض إلى القليل من البكتيريا
مبكراً في الحياة
له أن يساعد على تحقيق توازن
في الجهاز المناعي،
يبدو أن التعرّض إلى قدر معقول من الفشل
مبكراً في الحياة
دون أي مساعدة،
من شأنه أن يساعد الأطفال على تكوين
حياة متوازنة لاحقاً.
بالتالي، عند التفكير في الأمر،
ولو لوهلة،
عندما سقطت من على ظهر الحصان،
واستنشقت البكتيريا،
حدث أمر مثير.
أو بالأحرى حدث أمران مثيران.
ليس فقط لجهاز المناعة
لكن أيضاً لشخصيتي، كما آمل.
لأنه كما سيكون مستحيلاً
أن تخلق أجواءً، وبيئةً خالية من البكتيريا،
سيكون من المستحيل أيضاً أن تخلق بيئة
خالية من القليل من إخفاق الأطفال.
الآن، بطبيعة الحال، يمكننا أن نتوغل
في الأمر.
فكما أننا لا نريد بيئة خالية من المضادات
الحيوية،
ولا نريد عالمًا تتفشى فيه العدوى،
من الواضح أننا لا نريد عالماً
يألف فيه الأطفال تجربة الفشل
لدرجة أنهم لا يدركون النجاح.
أعتقد أن الأساس هنا هو التوازن.
لذا، أعتقد أن أعظم ما فعلته أمي من أجلي
أنا وأخي
كان ذلك الخطأ الذي ارتكبته:
تسجيلنا في ألعاب الخيل البهلوانية.
شكراً جزيلاً لكم.
(تصفيق)