"تُصبح أسهل، أليس كذلك!؟"
تلك هي الكلمات التي أسمعها
من أولياء الأمور
حديثي العهد بالتربية،
والقلقين على أولادهم.
أُخبرهم أن الأمر ليس كذلك.
إنها تصير مختلفة،
ولكن هنالك دائمًا ما يدعو
للقلق بالنسبة للآباء.
أتذكر حين كنت أغفو في الليل
بينما أستمعُ لتنفّس ابني
عندما كان يافعًا ويعاني من الربو،
ثم عندما صار مُراهقًا،
كنت أتحسس دخوله من باب المنزل،
لأعلم أنه أصبح بأمان.
إن القلق على أولادنا هو من طبائعنا.
تتمحور العديد من هذه
المخاوف حول أمور أساسية،
على سبيل المثال، ما يأكلون،
وأين يتواجدون، ومَن يرافقون.
ولكن نحتاج أيضًا لمراقبة
التصرفات والبدع المستحدثة.
آخر الصيحات قد لا يتلمّسها الجميعُ
كخطرٍ صحيّ محدق،
وهو يتعلّق بالتدخين
الإلكتروني وشعبيته الجديدة،
أو تدخين الأدخنة الحُلوة
التي تجري عبر تبخير السوائل
المعدة إلكترونيًا في عملية تدخين إلكتروني.
السجائر الإلكترونية،
أو "الفايبس" كما تُدعى،
تطير من أرفُف المتاجر كما الحلوى.
في هذا العام، يُرجح أن يحقق
سوق السيجارة الإلكترونية
26 مليار دولار
من المبيعات حول العالم.
وللأعوام الستة القادمة،
من المتوقع أن تتضاعف هذه الكمية.
تحاوطنا العديد من المخاوف الصحية
حول تأثير التدخين الإلكتروني،
وللأسف، ليس لدينا أجوبة كافية.
يُصبح هذا مُقلقًا أكثر عند التفكير
في مَنْ يستخدم هذه السجائر.
استخدام السيجارة الإلكترونية،
في الولايات المتحدة فقط،
زاد سريعًا بين الشباب والبالغين...
فلذات أكبادنا!
الفئة الأقل تحصينًا بيننا.
ازداد استخدام السيجارة الإلكترونية
بنسبة 900% بين الشباب
بين الأعوام 2012 و2015،
تُشير الإحصائيات الجديدة،
إلى أن قُرابة 3.6 مليون طالب
في المدارس الإعدادية والثانوية
قد استخدموا السيجارة الإلكترونية
في الولايات المتحدة.
لقد صُنعت هذه السجائر في الأساس
لمنح المدخنين شكلًا أنقى من النيكوتين
لتقديم يد العون في إدمانهم على السجائر.
في الولايات المتحدة، تُصنف هذه الأدوات
بحسب تشريع وكالة الطعام والمخدرات
كمنتجات من التبغ.
ولكن لم يستطع البحث العلمي
في هذه الأدوات من مُجاراة
نموها المتسارع في السوق،
والقوانين المتعلقة بمراقبة مكونات
هذه الأدوات والمواد الإلكترونية فيها
مُـتخـلّفـة.
توصي القوانين الحالية بحظر بيع هذه الأدوات
لأي شخص يقل عمره عن 18،
ولكن ليس ثمة تأثير لذلك
على تفشّي استخدام هذه
الأدوات من قبل المراهقين.
في المرة الأولى عند سماعي
ورؤيتي لسيجارة إلكترونية،
انتهيت على الفور أن المراهقين سيحبونها.
هذه الأدوات عبارة عن تقنية فائقة،
ملائمة تمامًا لجيل الجوالات الذكية...
صغيرة، وتُشحن، وسهلة الاستخدام،
ومرنة، وجميلة الرائحة...
والبعض منها يتزامن مع جوالك
ليخبرك عن كمية تدخينك.
وحتى أنا أُعجبت بهذه
الأدوات المتقنة الصنع.
وبما أنني أمضيت وقتًا طويلًا أُجري
البحوث في مجال إدمان المراهقين والبالغين،
أدركتُ في الحال أن هذه الأدوات
تُلائم تمامًا عقلية المراهقين.
فالمراهقون مُنفعلون ويحبون
تجربة الأشياء الجديدة.
كما أنهم يميلون إلى الاستقلال الذاتي،
ويرغبون في أن يكون لديهم أشياءَ يمتلكونها.
وتُلبي السجائر الإلكترونية
جميع هذه الاحتياجات
بإعطائهم الفرصة ليُبدعوا ويحددوا
تجربة التدخين المناسبة لهم.
بوسعهم الاختيار من بين 15,000
صنف من نكهات السوائل الإلكترونية
وعدة تركيزات من النيكوتين.
ويستطيعون أيضًا صُنع
خليطهم الخاص من النيكوتين.
وبإمكانهم التحكم في كمية الدخان
التي تُصدره هذه الأجهزة
عن طريق تعديل كمية النَـفَث ومحتواه
وتعديل درجة حرارة الأجهزة،
وتحجيم الطاقة فيها.
ويُمكنهم حتى استخدام هذه
الأجهزة من أجل "ملاحقة الغيوم".
"مُلاحقة الغيوم"، والتي تُعرف أيضًا
بإحدى "مهارات التدخين الإلكتروني"
أو "حِيَـل الدخان"،
تتضمن صنع غيومٍ دخانية
ضخمة بأشكالٍ وأسماءَ غريبةٍ،
مثل الخواتم والتنانين والأشباح...
ويستطيع المتبارون المشاركة
في منافسات "صنع الغيوم"
والفوز بجوائز لصُنع أكثر
الأشكال الغائمة إبداعًا.
ويمكن للمراهقين التلاعب
بقوة تنفس الدخان من الحلق
إما عن طريق تبخير السائل
الإلكتروني لدى درجة حرارة عالية
أو عن طريق غمس سائل
التدخين مباشرة بمُسـخّن.
وبمقدورهم حتى استخدام هذه
الأدوات لتدخين الماريغوانا إلكترونيًا.
وبما أن الأجهزة تستخدم درجات حرارة مُنخفضة
ولا تشتعل أو تحرق حشيش الماريوانا،
يستطيعون إتمام كل ذلك سرًا،
دون انبعاث رائحة الماريغوانا المُميزة.
ولهذا يستطيعون جعل تجربة
التدخين مُناسبةً لهم،
الأمر الذي قد يُفسر الارتفاع
الهائل في استخدام هذه الأجهزة.
السجائر الإلكترونية تقنيًا هي
أداة بسيطة عمومًا.
هنالك وعاءُ لسائل التدخين،
الذي قد يكون خزانًا أو غلافًا أو سعةً.
وبطرية ترفع حرارة المُسـخِّن،
والذي بدوره يُبخر سائل التدخين الإلكتروني.
ويوجد فوهة،
حيث الموضع الذي يسحب منه
المستخدم دخان السيجارة الإلكترونية.
في 2017، تواجد 466 جهاز
سيجارة إلكترونية في السوق،
من بينها أجهزة تُشبه السجائر
العادية، وتدعى "شبيه السيجارة"
وتُدعى أيضًا "أقلام".
(لأنها تٌشبه الأقلام العادية)
وهنالك أجهزة مُعدلة، تُدعى "المُعدلات".
و"المُعدلات" لا تُشبه السيجارة إطلاقًا،
وتَـتَوفـر في أحجام وأشكال مختلفة،
ومزودة بأنواع مختلفة من الملحقات
وخواص الضبط الشخصي.
ويُـشتهر استخدامها في مسابقات
"ملاحقة الغيوم".
أحدث مُنتج دخل السوق منها
هي الأدوات ذات الحاوية الصغيرة،
وتحوي سائل التدخين الإلكتروني
في حاوية صغيرة.
وهي بالمناسبة، مشهورة جدًا، بين المراهقين.
كمثال على هذا، ما يُسمى الـ"Juul"،
وهي لا تٌشبه أداة "USB" فحسب
بل يُمكن أيضًا إدخالها
في فتحة "USB" للشحن.
لا يظنُ العديد من المراهقين
أن هذه "سجائر إلكترونية" أصلًا،
وهذا ما أدى إلى استخدام
مُصطلحات أخرى غير "التدخين".
العديد من هذه الأجهزة يصعب ملاحظتها
ولا تُصدِر إلا القليل من الدخان
بحيث يتعاطاها المراهقون
في الفصول المدرسية
ويخبئونها في أغراض، مثل
المقلمات وفي ملابسهم
وفي كتبهم.
يظن العديد من المراهقين أن
هذه الأدوات تُنتج بخار الماء،
ولذلك، فهي آمنة.
ولكن هذا بعيد أشد البُعد عن الحقيقة.
الذي يخرج ليس حتى دُخان،
إنه الأيروسول. (مادة تُشبه الضباب)
ودعوني أخبركم، أن الفرق كبير جدًا
بين الدخان والأيروسول.
الأيروسول يحتوي على العديد
من جزيئات السوائل والغاز العالقة الدقيقة
والتي تظهر من أية عناصر
في سائل التدخين الإلكتروني.
الأيروسول قد يحتوي على الغليسرين
وبروبيلين غليكُول،
في صورة ذائبة
في سائل التدخين الإلكتروني.
تُعَـدّ هذه المواد الذائبة صالحة للأكل،
لذلك تدخل في المُنتجات التي تأكلونها،
ولكن لا نعلم ما إذا كانت آمنة
عُقب التنفس والاستخدام الطويل الأمد.
وقد تحتوي هذه السوائل على الكحول،
وأحيانًا بنسب عالية،
ومن المعروف أن استنشاق الكحول
له تأثيرات ضارة على الدماغ.
أخبرتكم آنفًـا أن سوائل التدخين تتوفّر
في أكثر من 15,000 نكهةً مختلفة.
إليكم بعض الأمثلة،
بعضها ذات أسماء جاذبة ولكن مألوفة،
مثل، "البولينغ" و"شرائح الفواكه"،
وبعضها الآخر لها أسماء أغرب،
مثل، "لبن التنين" و"دماء النمر"
و"تقيؤ أحادي القرن".
ويحتوي السائل أو الأيروسول
على جزيئات معدنية
مثل الكروم، والكادميوم، والرصاص.
وتتـوّلد هذه المواد عن طريق
المُسَخِـن داخل الأجهزة
ولها تأثيرات سلبية على الأعضاء
الأساسية في الجسم.
دعوني أوضح هذا الأمر:
إنّ ما ينبعث ليس بخار الماء على الإطلاق.
وتعرض عقل المراهق للنيكوتين
عن طريق السجائر الإلكترونية
أمرٌ مُقلقٌ للغاية.
عقل المراهق حسّاس جدًا، حتى ولو كان
النيكوتين عند مستويات خفيضة
وهذا يجعل الإدمان عليه سهلًا.
في الواقع، أصبحنا نعلم منذ وقت طويل
أن 90% من المدخنين
يَبدؤونَ تدخين السجائر قبل سن 18.
وأولئك الذين يبدؤون مبكرًا هم أكثر إدمانًا
ويواجهون صعوبة في الإقلاع عن التدخين.
بتعبير آخر، وبالاقتباس من
مفوّض سابق لوكالة الطعام والمخدارات،
"إنّ إدمان النيكوتين...
هو مرض خاص بالأطفال."
يتلقى المُراهقون كمية كبيرة
من النيكوتين عن طريق هذه السجائر.
تحتوي العديد من هذه الأجهزة
على كمية من النيكوتين
تُعادل ما يوازي علبة سجائر كاملة.
وتحتوي الأجهزة الحديثة ذات
الحاوية الصغيرة على نيكوتين مالح،
والذي له مذاقٌ رائق
وطريقة استخدام أسهل بكثير
ويرفع سريعًا من مستويات النيكوتين
في الدماغ.
يُخْبرُ الفِتية الذين يستخدمون السجائر
الإلكترونية بانتظام عن أعراض الإدمان...
ومنها القلق حين لا يصطحبون
أجهزة التدخين الخاصة بهم.
وهذه علامات تَدل على تصرفات شخص مدمن.
لا تسبب السجائر الإلكترونية الإدمان فحسب
وإنما تؤثر على باقي الأعضاء في الجسم.
لذلك فإن النيكوتين، في هذه السجائر، مثلًا،
يربط نفسه بمُتلقي الأسيتيل كولين للنيكوتين
(ناقل عصبي)
والذي يلعب دورًا محوريًا
في أداء عمل كل الأنظمة العضوية تقريبًا
في الجسم البشري.
ويُغيّر التعرض المزمن للنيكوتين
أداء عمل هذه الأنظمة.
على سبيل المثال،
يُقلل التعرض المُزمن للنيكوتين
من مرونة الأوعية الدموية
ويُغير عملية استجابة القلب
للضغوطات الحادة، مثل التوتر.
وعقل المراهق ليس حساسًا فقط
للإدمان الذي يخلّفه النيكوتين
بل أيضًا حساسًا للتأثيرات الضارة.
في الحيوانات الناضجة، من المتفق عليه أن
النيكوتين نوعٌ من السموم العصبية،
ويُقلل من القدرة
على التعلم والتذكر والانتباه
ويزيد من أعراض فرط الحركة.
ويرتفع ميل المراهقين
المُستخدمين للمنتجات التبغية
نحو تدخين الماريغوانا وشرب الكحول
وتنامي أعراض الاكتئاب والقلق
خلال المراهقة أو عند البلوغ.
ولذلك قد يؤدي إدمانهم النيكوتين
الناتج عن السجائرالإلكترونية
إلى الوقوع في هوّة إدمان من نوعٍ آخر
أو التسبب بمشاكل الصحة العقلية.
ويُسبب النيكوتين،
في الحيوانات البالغة، تغييرات لا جينية،
أو تغييرات في الجينات المتوارثة،
كالجينات المسؤولة عن مرض الربو.
ولذلك، فإنّ المراهقين الذين يُدخنون
النيكوتين لا يؤذون أنفسهم فقط
ولكن أيضًا أولادهم في المستقبل.
إن تفشّي السجائر الإلكترونية
قد يؤدي إلى إدمان جيلٍ
كاملٍ من الشباب على النيكوتين.
وقد تؤدي سهولة الحصول على هذه
الأجهزة إلى الميل أكبر نحو تجربة
تدخين حشيش الماريوانا والعديد
من المواد التدخينية من قبل الشباب.
وبينما لا شك في أن تزويد المدخنين
بنيكوتين نقي
يجب أن يبقى هدفًا مُهمًا،
فإننا لا نعلم ما إذا كانت هذه الأجهزة
تُساعد المدخنين على الإقلاع عنه،
ولا نعلم الكثير عن التأثيرات الناتجة
عن الاستخدام الطويل الأمد لهذه الأجهزة.
ولكن ما نُدركه هو أن الشباب...
والعديد منهم... يستخدمون هذه الأجهزة.
في الواقع، أصبح مفوّض وكالة
الطعام والمخدرات يستخدم مصطلح "الوباء"
لوصف استخدام هذه
السجائر في الولايات المتحدة.
وبينما نحاول حل مشكلة صحية عامة،
وهي تدخين السجائر التقليدية،
رُبما خلقنا مشكلة كبيرة أُخرى.
قادت قلةُ الاحتراز ضد تدخين السجائر
في السنين الماضية
إلى وباء تدخين السجائر، وإلى غيرها
من الأمراض المرتبطة بالتدخين.
لا نُريد تكرار نفس الأخطاء
في معالجتنا لمشكلة السجائر الإلكترونية.
ولهذا حان وقت التحرك،
من أجل وضع قوانين تُعالج إغراء
وجاذبية هذه الأجهزة للشباب.
هل يحتاج المُدخنون 15,000 نكهة مُحببة
للأطفال للإقلاع عن التدخين!؟
أيحتاجون لهذه الأنواع المختلفة من الأجهزة؟
أمِن الحصافة امتلاكُ أجهزة
من السهل إخفاؤها
ومن السهل استخدامها!؟
سمعنا مؤخرًا أن وكالة الطعام والمخدرات
تعتزم سَنّ قوانين أكثر صرامة
بالنسبة لبيع هذه الأجهزة الحاوية
لنكهات سائل التدخين الإلكتروني
في مراكز البيع، مثل المحلات التجارية
ومحطات تعبئة الوقود،
وأيضًا سنّ قوانين صارمة
بشأن بيع الأجهزة للأشخاص
تحت السن القانوني عبر الإنترنت.
هل سيكفي هذا لإيقاف التزايد
السريع لاستخدام هذه الأجهزة بين الشباب؟
علينا طرح هذه الأسئلة
الهامة والإجابة عليها.
لقد حان الوقت
لبدء حملة تثقيفية محلية جادة.
يحتاج الأهالي والمراهقون إلى معرفة
أن احتواء السجائر الإلكترونية على القليل
من السُموم مقارنة مع السجائر العادية،
لا يعني أبدًا أنها جديرة بالتعاطي.
إن تعرّض أجسامهم لهذه المواد
الكيميائية بواسطة هذه الأجهزة
قد يُغيرهم إلى الأسوأ
ويتركهم عُرضة لمشاكل
صحية غير معروفة في المستقبل.
عندما قلت سابقًا
أن السجائر الإلكترونية مُلائمة
جدًا لجيل الهواتف الذكية،
لم أكن أمزح.
إننا نعيش في عالم مهووس بالتقنية،
حيث تحظى أحدث الأجهزة
والتقنيات بالكثير من الاهتمام
لمجرد أنها تقنية جديدة.
وفي الأعوام القادمة سنشهد
تِباعًا، وعلى مدار حياتنا،
تقنيات تُباع في الأسواق
قد لا تدعو إلى القلق
على الصحة في البداية،
لأن مظهرها لا يوحي بذلك
أو لمجرد أنها ليست أداة طبية.
كمثال، قد نرى أجهزة
تُقلل من حاجتنا للنوم
أو تُساعد في فقدان الوزن...
وهو هدف لي...
أو حتى تحقيق أي هدف آخر
نحن كمُستهلكين نكون متطلعين إليه.
ولكن قد تجلب العديد من هذه
الأجهزة مخاطر لصحتنا لا قبل لنا بها.
لذلك إن كُنا نسعى للحفاظ
على صحتنا وصحة أولادنا،
ربما نحتاج التوقف عن عادةِ
الاحتفال تلقائيًا باختراع جديد
والبدء بالنظر إلى تفحُصّه بعينٍ ناقدةٍ،
أو حتى بخضوعه إلى نظرة طبية.
أتعلمون شيئًا؟
صحتنا، وصحة أولادنا وصحة الأجيال القادمة
ثمينة جدًا لأن ندع التدخين يدمّرها...
أو بتدخين الأيروسول.
شكرًا لكم.
(تَصفيق)