البشر هم أسياد الخداع الذاتي
نحن نخدع أنفسنا بالاعتقاد الأشياء الخاطئة
و نرفض أن نصدق الأشياء الصحيحة
كنت في كلية الدراسات العليا
عندما بدأت حقا الخوض في موضوع خداع النفس
و قد هز ذلك الموضوع حياتي
فقد رأيت الخداع في كل مكان
في الجميع من حولي
فنحن نكذب على أنفسنا حتى في أصغر التفاصيل
مثل كم أكلنا اليوم
ولماذا لم نذكر طولنا و وزننا الحقيقي
على رخصة القيادة لدينا
(ضحك)
نحن نكذب لعكس الأهداف الطموحة لدينا
فنقول : لقد شربت كأساً واحداً من النبيذ هذه الليلة
و نحن نعي أننا شربنا ثلاثة على الأقل (ضحك)
نحن نكذب على انفسنا حين نوسم أنفسنا بالمثل الاجتماعية
فنقول : لم تخطر لي أي تخيلات جنسية مع أي شخص باستثناء شريك حياتي
لأن عكس ذلك لن يكون مقبولا
نحن نكذب حيال خياراتنا الأكثر أهمية في الحياة
مثل لماذا تزوجنا من تزوجنا ؟ لماذا اخترنا هذه الوظيفة
للأسف و أعتقد من جميع الرومانسيين هنا
الحب نادرا ما يكون الدافع الكامل لتلك الخيارات
لا مكان يتربع فيه الخداع الذاتي لدي أكثر مما هو عليه في علاقاتي العاطفية
كنت أخشى من أن يتم التخلي عني !
خوفي من التخلي دفعتني إلى العمل بطرق
حتى اليوم يصعب علي الاعتراف بها
كنت أهجس و أنا أنتظر بفارغ الصبر مكالمة هاتفية منه
كنت اقود سيارتي لأتأكد من أنه هناك حيث قال انه سيكون
أكرر على مسامعه دوماً السؤال : هل تحبني ؟
في ذلك الوقت لم يكن بالامكان أن أقول لكم الحقيقة
لأنني لم أتمكن حينها من الاعتراف بها لنفسي
في الأساس نحن نكذب على أنفسنا
لأننا لا نملك ما يكفي من القوة النفسية لقبول الحقيقة
والتعامل مع العواقب التي ستعقب ذلك القبول
و عليه : فهم خداع النفس
هو الطريقة الأكثر فعالية للعيش حياة رغدة مستقرة
لأننا عندما نعترف من نحن حقا
سيصبح لدينا فرصة للتغيير
من الصعب أن ننظر إلى هذه الصورة و نقول
"كاذبون!"
(ضحك)
ولكن ميولنا لخداع الذات يبدأ هنا
ففي السنوات المبكرة جدا نبدأ بالمراقبة
و نخلص إلى استنتاجات حول أنفسنا وبيئتنا
صواب أو خطأ كانت تلك الاستنتاجات فهي تؤثر في صنع هويتنا
ككبار , معظمنا يرغب بالكذب
حيال كيف اثرت الحقائق المؤلمة التي عانينا منها كصغار نفسيا
على ما نحن عليه اليوم
ربما تربيتم في بيت فيه أب دون أم او أم دون أب
ربما أهملك والدك
ربما ظننت أن هناك مشكلة في نفسك تجعل والدك يتهرب منك
كأنك لم تكن ذكياً بما فيه الكفاية، جذاباً بما فيه الكفاية، رياضياً بما فيه الكفاية
وخلصت أنه و لجعل الناس يحبونك
عليك أن تكون مثالياً
كشخص بالغ
عندما يشير شخص ما إلى عيوبك
تشعر بالقلق الهائل و تنكر مسببات تلك العيوب
ربما شعرت أنك قبيح عندما كنت طفلا لأن هناك من كان يمازحك بسبب مظهرك
ربما تعلمت أن تأكل لكي تتغلب على الألم العاطفي
فغدوت كشخص بالغ تكافح و تعاني كثيراً من أجل الحفاظ على وزن مستقر
لان أكلك ليس لدحض الجوع فحسب بل هو لترميم الجروح النفسية ولكن أنت لا تعلم
ربما شاهدت والديك يختلفان كثيراً
فتعلمت تجنب الصراعات حتى الضرورية منها
و بت الآن تداري و تبذل كل الجهود لكي تخفي اي شعور سلبي لديك حيال من من حولك
على الرغم من أن كل ما نتعلمه في مرحلة الطفولة فريد من نوعه
لكن كل ما تعلمناه سسيتمثل في الأكاذيب التي نقولها لأنفسنا و نحن بالغين
يمكن للنظريات النفسية للطبيعة البشرية أن تساعدنا على فهم خداع النفس لدينا
وصف سيغموند فرويد آليات الدفاع الخاصة بـ الأنا وصنفها
فالكذب بداية هو استراتيجية نفسية تحمي أنياتنا
- شعورنا الأساسي حيال ذواتنا -
من المعلومات التي من شأنها أن تضر بنا
والإنكار ثانياً
هو رفض الإقتناع بصحة أمر
على الرغم من انه كذلك
ليس لدي مشكلة مع الكحول
على الرغم من أنني أشرب كل يوم
أنا لست غيور
على الرغم من أنني سرا أتحقق من بريد شريكي كل يوم
و التبرير ثالثاً
و هو خلق عذر أو مسبب لكي نبرر لأنفسنا ما نقوم به
لم أكن لاصرخ عليك لو لم تعاملني بذلك الاسلوب
الأمر الذي يبرر لي الصراخ
أنا أعلم أن التدخين ليس جيد لصحتي
لكنه يساعدني على الاسترخاء
الأمر الذي يبرر لي التدخين
و الإسقاط رابعاً
أي وصم الآخرين بالصفات السيئة التي نملكها نحن
أنا لست كذلك , بل أنت كذلك
كحين مواعدتك شخص لحين و تبدأ بفقدان الاهتمام به
فتقول أشياء مثل
أنت لست على استعداد لهذه العلاقة
بينما في الواقع انت لم تكن مستعدا لهذه العلاقة
ولن تكون أبدا !
الرواد في عالم المعرفة السلوكية
يصفون الكيفية التي تخدعنا بها أفكارنا
من خلال التشوهات المعرفية أي الطرق غير العقلانية التي نفكر بها.
من مثل التفكير المستقطب: سياسة إما أو المتضادة
اي القول إما لا أأكل الحلوى أو أأكل العلبة كلها
لأنه إذا أكلت واحدة فقط
أكون قد خربت نظامي الغذائي , و عليه لا ضير من الاستمرار بالاكل حتى إنهاء العلبة
و من مثل التفكير العاطفي:
اي أن نظن أن مشاعرنا تعكس الواقع بدقة
كحين يقول المرء , اشعر بضيق , لا بد و أنت قد فعلت شيئا بحقي
أو حين يقول المرء , اشعر بالغباء , ربما لانني غبي
و من مثل أيضاً المبالغة في التعميم :
محين يقع المرء بسوء بسيط فيظن نفسه في دوامات من الهزائم و الاحداث السيئة و سوء الحظ
كحين ينفصل المرء عن شخص يحبه
فيظن أن العالم إنتهى من الشركاء و سيبقى وحيداً إلى الأبد
أو حين يرفض طلب الترقية
يقول في نفسه لن أنجح في عملي ما حييت
من منظور وجودي
نحن نخدع أنفسنا لتجنب معطيات الحياة -
و لتجنب الحقائق الأساسية التي يجب أن نواجهها لأننا بشر
كالموت , جميعا سوف يموت
و الوحدة المطلقة
لقد ولدنا وحيدين , نقطن في جسد مادي منفرد
و اللا معنى
حياتنا بطبيعتها لا معنى لها ما لم نعطيها نحن معنى
والحرية
نحن مسؤولون عن أنفسنا لأنه لدينا حرية الاختيار
لكي نتجنب مواجهة هذه الحقائق، فإننا كثيرا ما نكذب على أنفسنا
كأن نقول : أنا هكذا بسبب تربيتي
فترمي بمسؤولية خياراتك الشخصية عن كتفك
أو كأن نقول : الحوادث التي تحذر منها الاخبار لن تحدث لي
لأنني شخص مميز و محمي من الأذى
او حين نقول : لن أكتب وصية الآن , فانا شاب و لن أموت اليوم على أي حال
و عليه فنحن ننكر واجباتنا و مسوؤلياتنا
متعددي الثقافات و علماء النفس المتخصصين بالنسوية
يصفون كيفية استيعاب المعايير الثقافية التي تؤثر علينا
فنحن نخدع أنفسنا لاننا نظن أن أمراً ما صحيح
بسبب اننا جبلنا عليه ثقافيا أنه صحيح
عوضاً عن البحث حقاً عما هو صحيح
ألا نقوم جميعاً بتكييف و تغيير انفسنا لتلبية المعايير الثقافية؟
الا نظن أنه يجب أن نكون على هيئة ما و نبدو بصورة ما ؟
الا نظن أنه يجب أن نحافظ على وزن ما ؟
نكسب دخل معين
نتزوج , ننجب , نؤدي الشعائر الدينية ؟
أنقوم بكل هذا لان المجتمع يريدنا أن نقوم بذلك ؟
أم لأننا نعتقد أن ذلك حقاً مناسب لنا ؟
كل هذه النظريات حيال الطبيعة البشرية تساعدنا على فهم
الطريقة التي نضلل بها أنفسنا بشكل يومي
لماذا يجب أن نهتم بهذا ؟
لأن خداع النفس يؤدي إلى كميات هائلة من الألم والندم
لكي نوارب الحقيقة و الصدق
فنحن في كثير من الأحيان نقوم باتخاذ خيارات لها عواقب وخيمة
سواء على أنفسنا أو على الآخرين
ربما سوف نشرع بتعاطي المخدرات والكحول او نفرط بتناول الطعام أوالتسوق أومقامرة او نتمادى فنسرق و نكذب و نتخلى عن من نحب و يحبنا
أو نقوم برمي كل ثقلنا العاطفي على من نحب أكثر
أو بكل بساطة نختار أن لا نغير شيئاً من أنفسنا لاننا لانريد أن نواجه الحقيقة
حتى عندما نكون بأشد الحالات بأساً
أو حين نسبب الضرر الشديد لمن حولنا فنتعنت ضد التغيير
إذا نظرنا إلى الماضي بندم سوف يصيبا شعور مؤلم جداً
لأنه لا يمكنك تغيير اختياراتك في الماضي
كما أسلفت
لقد ناضلت كثيرا في علاقاتي العاطفية
كنت أعرف أنني لم أشعر بالأمان
ولكني كنت أرمي الإتهام و الأسباب على الطرف الآخر
كنت أظن أن الحل , أن يتصل بي أكثر , أن يحبني أكثر
هكذا سأشعر بالأمان
ولكن الحقيقة كانت
لم يكن هناك اي شيء يمكن أن يفعله لجعلي أشعر بالأمان أكثر
لأن مشاعري بعدم الأمان لم تكن متعلقة به
السبب في أنني لم أشعر بالأمان هو أنني اعتقدت مذ كنت طفلة
أن الناس تتخلى عني دوماً
وعشت حياتي أختار خياراتي بما يتفق مع هذا الاعتقاد
عندما لا نتحمل كامل المسؤولية حيال ما نحن عليه
فنحن نؤذي أنفسنا و الجميع من حولنا
ماذا الآن؟
كيف نبدأ بالاعتراف بالأكاذيب التي نقولها لأنفسنا؟
كيف نبدأ بالتحول لكذابين أكثر صدقا؟
الخطوة الأولى هي الوعي الذاتي -
نصبح المراقبين على أنفسنا
عندما ترى أن هناك رد فعل عاطفي قوي حيال شيء ما
راجع نفسك
عندما تلاحظ أن ما تقوله لا يطابق ما تتصرف به
راجع نفسك
عندما تخطر لك أفكار لاعقلانية
راجع نفسك
اسال نفسك:
ماذا يعني هذا عني ؟
وبالمثل معظمنا ينفق قدرا هائلا من الطاقة
في تجاوز شخص يحبه لم تنجح العلاقة معه أو محاولة تخطي حدث ما
ونتجنب عموما محاكمة مساهمتنا في الصراعات في حياتنا
و عليه عندما تشعر أنك لم تتجاوز أو تحل مشكلة مع شخص ما أو أمر ما
راجع نفسك
اسال نفسك:
ماذا يقول رد فعلي حيال هذا الأمر عني ؟
كلما أصبحنا أكثر صدقا وإدراكاً
كلما بتنا أكثر مسؤولية حيال خياراتنا
إن اعترفنا بقلقنا حيال شيء ما
- و نحن جميعا لدينا شيء ما -
فلدينا خيار
إما أن نعمل لتدارك القلق او نهمله
مهما كان قرارنا
فنحن الآن مسؤولين أكثر عن النتائج المترتبة عن القلق لدينا
لأننا نعرف اكثر
أن نرفض التغيير حين مواجهة الحقيقة هو خيار أيضاً
على الرغم من أننا لا نستطيع السيطرة على الكثير من الظروف التي نواجهها في الحياة،
ولكننا مسؤولون عن ردود فعلنا حيال تلك الظروف
في هذا السياق واحدة من أفضل الطرق
لمواجهة خداع النفس
هو العلاج النفسي.
وربما هو العلاقة الوحيدة
التي سوف تمر بها بحياتك
و التي وجدت فقط لمنفعتك
ومع ذلك العلاج النفسي يعد وصمة عار
الناس يقولون في كثير من الأحيان أشياء من مثل
"أنا لست بحاجة إلى العلاج
ان العلاج النفسي للمجانين و الضعفاء فقط الذين لا يستطيعون مساعدة أنفسهم
في الحقيقة العلاج النفسي يحتاج الى شجاعة هائلة
لأنه يتوجب عليك كشف كل مكامن ضعفك لإنسان آخر
العلاج هو هبة حقا , إن كنت شجاعا بما يكفي لتقبله
مواجهة خداع النفس رحلة طويلة تمتد على مدى الحياة
كلما تغيرنا سيقدم العالم لنا فرصا جديدة
لفهم أنفسنا
هناك دوما ما يمكن تعلمه
كنت على الطريق المثالي في مسيرة نجاحي الأكاديمية
فقد تلقيت منصباً هنا في هذه الجامعة قبل عامين
وخلال نحو ستة أسابيع سوف اغدو عاطلة عن العمل
لأنني إستقلت من منصبي
حزت على أن تحوز على منصب ثم تستقيل
هو آخر شيء يمكن لأحد أن يتوقعه من أحد أعضاء هيئة التدريس
خاصة انا , فأنا أحب علم النفس !
و أحب التدريس و أحب البحث و أحب قسمي في الجامعة
لقد كانت لي تجربة مدهشة في هذه الجامعة
ولكن الحقيقة هي ان شغفي لم يعد في الأوساط الأكاديمية بعد الآن
لحين وصلت لهذه القناعة , مررت بأزمات كثيرة
لأنه كان علي مواجهة ميولي و ريبتي و خداع نفسي
كنت أقول : ماذا لو خاب ظن الناس بي
ماذا سوف تقول عائلتي ؟
ما سأفعل؟ ماذا لو أنني لم اعد قادرة على تلبية متطلباتي المادية ؟
من أنا إذا لم أكن أستاذة ؟
ماذا لو تغيرت الحياة كلها تبعاً لذلك !؟
ماذا لو لم يتغير أي شيء في حياتي ؟
لو كنت قررت البقاء في الأوساط الأكاديمية
لكنت قد دفعت ثمنا نفسيا كبيرا
وأود أن أعترف بأنني لم أكن قوية بما فيه الكفاية
لأختار خيارات مختلفة حين كنت أواجه نفسي
نصيحتي لكم : كونوا كذابون أكثر صدقا
كونوا أكثر صدقاً حيال الأكاذيب التي تقولونها عن أنفسكم
استخدموا الحقيقة لكي تعيشوا حياة أكثر غنى و حيوية
لانكم تملكون حياة واحدة فقط !
(تصفيق)