الرفض. هل تذكر آخر مرة شعرت فيها أنك مرفوض؟ هل شعرت بذلك بسبب رجلٍ لم يعاود الاتصال بك؟ أو والدٍ لم يكن بجوارك؟ هل كان السبب مدير عمل تخطاك في الترقية؟ أو ربما شخص في حياتك لم يظن أبدًا أنك جيد بما فيه الكفاية مهما فعلت لتبهره. كلنا نعلم أن الرفض مؤلم. إنه كاللذعة؛ يجعلنا نشعر بأننا لسنا جيدين بما فيه الكفاية. يجعلنا نشك في أنفسنا باستمرار و نشك في مستقبلنا. وأنا أؤكد لكم أن الرفض ليس بشيء يجب أن نخشاه. وهو بالتأكيد ليس بشيء يجب أن يجعلنا نشعر بالإحباط أوالاكتئاب، أو أن نعمل لساعاتٍ أكثر من احتمالنا فقط لنثبت للعالم بهذا أننا جديرون بالحب والاهتمام. في الواقع، الرفض صديقنا وليس عدوًا لنا. وسوف أشارككم طريقتين يمكننا التعامل بهما مع الرفض؛ كي نستفيد من تلك اللحظات المؤلمة، ونغيرها لتكون حافزًا أقوي للنجاح، ودليل إثبات على قيمتنا وتميزنا. الطريقة الأولى التي يمكننا من خلالها رؤية الرفض هي رؤيته على أنه إسقاط؛ إسقاط نفسي. الإسقاط النفسي هو عندما يوجّه شخص ما دون وعي مشاعرًا أو انفعالات غير مستحبة تجاه شخص آخر، بدلًا من الاعتراف أو مواجهة مشاعره غير المرغوب فيها. عندما نتمكن من فهم كيف أن الرفض الذي نواجهه قد يتعلق أكثر بالاضطراب الداخلي لشخص آخر وليس بقيمتنا الشخصية، سوف تتغير حياتنا. فبدلًا من أن نتراجع أو نفقد عزيمتنا أو نخوض كل شئ بحذر، سوف نمضي في الحياة بثقة وتقدير أكبر. واحدة من أكثر لحظات الرفض إيلامًا لي حدثت عندما كنت في الصف الثالث. أردتُ أن أكون مشهورًا ومحبوبًا وأن ألقي الإعجاب والاحترام. ولحسن الحظ، كنت كذلك. فقد كنت في صف تعليمي متقدم مما يعني أنني كنت واحدًا من اثنين من الطلبة السود وسط صف من الطلاب البيض. وهذا لم يكن بالشيء السيئ؛ فقد كنت معروفًا بأنني الفتي الأسود الضخم والرائع، وكانوا يلقبونني بالفُتوَّة. (ضحك) كنت واحدًا من أذكى الطلاب، واعتاد زملائي الغش مني بالاختبارات، وكانوا يضحكون على نكاتي، وكانت الحياة ممتازة. إلا أننى في أحد الأيام، عندما كنت عائدًا من استراحة الحمام إلى الصف، لاحظت مجموعة من التلاميذ السود ملتفين معًا ويضحكون بشكل هيستيري. ولأنني كنت شخصًا اجتماعيًا ذا حضور، وواثقًا بنفسي، قررت أن أنضم لهم وأشاركهم المزاح. لذا تقدمت نحو هؤلاء التلاميذ وقلت: "مرحبًا جميعًا، علام تضحكون؟" لم يجبني أحد. فقلت: "علام تضحكون جميعًا؟" وبينما كنت على وشك الانتهاء من جملتي، التفت واحد من الشباب في المجموعة نحوي قائلًا: "أنت هو المضحك، أيها الفتى الأبيض". وانفجر الجميع ضاحكين؛ أما أنا، شعرتُ بالإحراج والخجل والرفض، وعدت إلى الصف وعرفت بعدها أنني كنت معروفًا في المدرسة بالفتى الأسود الذي يتكلم ويتصرف كالأبيض. لقد سمحت للحظة الرفض هذه أن تقلل من ثقتي بنفسي واحترامي لذاتي. وبدلًا من الاحتفاء والفخر بكوني مميزًا، بدأت رحلة طويلة لتغيير ما كنت عليه؛ لكي أتلاءم مع ذلك المجتمع الأسود. أقصد أنني غيرت من طريقتي في اللبس، وطريقتي في الكلام، والموسيقى التى كنت أستمع إليها، وحتى طريقتي في الضحك غيرتها. بدأت أتغيب عن المدرسة وأبيع المخدرات وأتخذ قرارات مزرية، كل هذا لأنني أردت الحصول على استحسانهم وقبولهم. أوتعلمون؟ لقد نجحت. فقد تقبلوني ودعموني؛ وحصلت على ثقتهم وأصبحت واحدًا منهم. ولكن في داخلي، كنت أعلم أنهم لم يتقبلوني أنا؛ وإنما تقبلوا الشخص الذي كنت أدعي كوني إياه. وكلما استحسنوا تلك النسخة الزائفة مني، كلما أحسّت ذاتي الحقيقية بالرفض طوال الوقت. أرأيتم؟ لم أدرك حينها أن الرفض أحيانًا ما يكون إلا إسقاط؛ إسقاط أحدهم لمخاوفه وانعدام استقراره على شخص آخر. فهؤلاء الطلاب الذين سخروا مني كانوا منعدمي الاستقرار النفسي. كانوا غير واثقين من أنفسهم، وكانوا خائفين من فعل أي شيء مختلف عما يراه أقرانهم مقبولًا. ولأنهم لم يكونوا يعلمون كيف يكونوا على سجيتهم الخاصة؛ أسقطوا مخاوفهم واضطراباتهم عليّ في صورة سخرية ونكات. لأن التحدث عن الآخرين بشكل سيئ أحيانًا ما يجعل الناس يشعرون بالرضا تجاه أنفسهم. لو كنت فقط قادرًا على رؤية رفضهم كإسقاط، لم أكن لآخذ سخرياتهم بشكل شخصي أبدًا، ولم أكن لأهدر سنوات حياتي محاولًا أن أنال استحسانهم وقبولهم لي. كنت سأبقى على ما أنا عليه حقًا، وكنت سأشعر بالأسف عليهم غالبًا أكثر مما شعرت بالأسف على نفسي. وأنا أؤمن بأن التعامل الصحيح مع الرفض هو أمر ضروري للقضاء على ارتفاع معدلات الإصابة بالقلق والاكتئاب والانتحار في أمتنا وفي العالم. في الحقيقة، ذكرت إحدى الدراسات في "دليل أوكسفورد للإقصاء الاجتماعي" أن الرفض هو سبب ونتيجة للإكتئاب. فكروا بالأمر. هل سبق لك أن شعرت بالأسى بعد أن تعرضت للرفض؟ ربما كان السبب هو دعوة مجموعة من زملاء عملك للجميع لتناوُل المشروبات بعد العمل باستثنائك. أو أشخاص لم يريدوا استثمار أموالهم لتحقيق رؤياك وأحلامك. تلك المواقف تجعل الناس يكرهون أنفسهم، ويستسلمون ويكتسبون الكثير من الوزن بسبب الأكل العاطفي والإفراط في مشاهدة نتفليكس. ولكنني تعلمت أننا لا يجب أن نسمح للرفض أن يوصلنا إلى ارتكاب هذه الأفعال الجنونية. فنحن بإمكاننا تعزيز لحظات رفضنا لخلق الثقة والنجاح؛ وقد نجحت في ذلك. بمجرد اكتشافي أن الرفض الذي واجهته في الصف الثالث كان بالفعل إسقاطًا لاضطرابات الآخرين الخاصة، كنت قادرًا على رؤية الجمال في اختلافي. وبصراحة، لقد كانوا محقين بشأني إلى حدٍ ما؛ فقد كنت بالفعل الفتى الأسود الذي يتحدث ويتصرف كالأبيض، وما زلت كذلك! فكَوني الفتى الأسود الذي يتحدث ويتصرف كالأبيض قد مكنني من التحدث بطلاقة، والعمل مع أشخاص من مختلف مجالات الحياة. أستطيع التحدث مع أفراد عصابة في الشارع، وكذلك مع مديرين تنفيذيين في غرفة مجلس الإدارة. أستطيع مساعدة المدمنين على التحرر من الإدمان، ويمكنني أيضًا توجيه نخبة من الرياضيين لمعرفة وتحديد أهدافهم بخلاف الرياضة. وبذلك، قد أصبح العيب الذي جعلهم يرفضونني هو ذاته المُكون الجوهري لنجاحي، وقد جعلني فعالًا في مساعدة الآخرين؛ وكل ذلك لأنني تعلمت فهم الرفض على أنه إسقاط، واكتشفت كيفية استغلاله لصالحي. الطريقة الأخرى التي يمكن أن نرى بها الرفض هى رؤيته كوسيلة حماية. حماية من شيء ما أو شخص ما لم يعد لوجوده في حياتنا مكان بعد الآن. تعلمت هذا الدرس بعد أن رفضت الحياة حلمي باللعب في اتحاد كرة القدم الأميركي. كنت قد التحقتُ بجامعة سنترال ميتشيجن بمنحة دراسية كاملة لألعب في دوري كرة القدم الأول. كانت الرياضة هي الطريق الذي اخترته لكي أصبح غنيًا ومشهورًا؛ لأتمكن من شراء منزل لوالديّ وأنتزع عائلتي من الفقر. أخبرني الكثير من المدربين واللاعبين أنه بفضل طولي وسرعتي ولياقتي البدنية، لم يكن هناك شك في أنني سألعب يومًا ما في اتحاد كرة القدم الأميركي. لسوء الحظ، تمزق جزء من ظهري في عامي الأول، وأنهت هذه الإصابة مسيرتي الجامعية. رفضت الحياة كل العمل الشاق الذي بذلته. بدلًا من النظر إلى إصابتي الرياضية على أنها حماية من مسار وظيفي لم يكن الأفضل بالنسبة لي؛ أخذت الأمر بشكل شخصي. شعرت وكأن الحياة كرهتني وبصقت على وجهي. شعرت أن الكون كله يحتقرني وأن قيمتي تكاد تكون لا شيء تقريبًا، من دون الرياضة التي أحببتها أو الاهتمام الذي حصلت عليه من كوني رياضيًا. وبدلًا من أن أتخلي عن الرياضة، قمت بشيء فظيع كمحاولة لإبقاء أحلامي الرياضية على قيد الحياة. لقد وقعت على إعفاء من المسئولية، وأعدت تأهيل جسدي لألعب مرة أخرى في دوري كرة القدم للمحترفين. عرضت جسدي لإدمان المخدرات والألم وليالٍ بلا نوم طوال عامين؛ لأنني لم أستطع مواجهة الحياة بشروطها. وبغض النظر عن كمية المسكنات التي تناولتها، أو عدد حقن الإبيديورال المخدرة التي أخذتها في ظهري، لم أتمكن من تجاهل حقيقة أن مسيرتي انتهت، ولم يُجدِ أي شئ فعلته لتجنُّب ذلك الرفض. كنت خائفًا جدًا من مواجهة الرفض؛ لأنني شعرت أن معني ذلك هو أنه لا قيمة لي ولا مستقبل. اكتشفت أنه منذ أن رفضتني الحياة تمامًا ورفضت كل العمل الشاق الذي بذلته لأصبح رياضيًا محترفًا، أننى لم أخفق فقط، بل وأصبحت فاشلًا. وقادني اعتقادي هذا بأنني فاشل إلى واحدة من أحلك فترات الاكتئاب في حياتي. أصبحت ذا ميول انتحارية؛ لأنني اعتقدت أن إنهاء حياتي سيكون أفضل من أن أتعرض للحظات رفض أخرى مؤلمة. ولهذا كنت أبتلع زجاجات كاملة من الدواء على أمل ألا أستيقظ في اليوم التالي. كنت أثمل وأتناول مجموعة من المخدرات وأركب السيارة وأقودها على أمل أن ينتهي كل شيء بحادث سيارة. وساء الأمر لدرجة أنني جربت الإضراب عن الطعام، وتقلَّص وزني من 275 رطلاً إلى 219 رطلًا في أربعة أسابيع. كل ذلك لأنني لم أدرك كيفية التعامل مع الرفض. قادتني كل محاولات الانتحار تلك إلى وحدة الطب النفسي في ديترويت في ولاية ميتشيجن. وهناك مررتُ بتجربة غيرت حياتي ووهبتني الأمل والغاية، وساعدتني في تصديق أن الرفض الذي مررت به ربما كان حماية لي من مستقبل لم يكُن مناسبًا لي. وربما كانت في انتظاري مهنة وحياة أخرى أفضل بكثير مما تخيلت. لذلك أمضيت السنوات القليلة التالية أطلع على كل شيء قد يساعدني على إيجاد الهدف والمعنى لحياتي. قرأت الكتب، وأخذت دورات عبر الإنترنت، أجريت مقابلات مع ناس وصليتُ ومارست التأمل؛ وكذلك شاهدت العديد من محادثات TEDx. (ضحك) وبدأت بتنمية بعض المهارات واكتشاف اهتمامات جديدة. أوتعلمون ماذا حدث؟ بمرور الوقت، بنيتُ حياة أحببتها بل واستمتعت بها أكثر من حياتي كرياضي. ولم أكن لأتمكن من ذلك؛ لو لم ترفضني الحياة تمامًا، أو بمعنى أصح، تحميني من أن أكون رياضيًا محترفًا. وأنا مؤمن بأن العالم يحتاج إلى تغيير نفس المنظور الذي كان لدي عندما كنت في وحدة الطب النفسي. بدلًا من أخذ الرفض بمعني أننا أقل قيمة أو أن مستقبلنا غير مؤكد، يجب علينا أن نراه كحماية من شيء أو شخص ما لم يعُد وجوده في حياتنا مفيدًا لنا. تخيلوا ما سيحدث إذا توقفنا عن رؤية الرفض كـقوة سلبية مهينة، وبدأنا برؤيته على أنه أداة تطور ضرورية وحافز لتحقيق نجاحات ضخمة. عندما أتطلع إلى الأشخاص الناجحين في الحياة الذين يملأني الإعجاب بهم، لا يسعني إلا أن أرى كيف تغلبوا على الرفض الذي واجهوه. ويجعلني ذلك أتساءل عما إذا كانوا سيصبحون ما هم عليه الآن لو لم يكونوا قد تعلموا كيفية الاستفادة من لحظات الرفض. وأتساءل عما إذا كان مارتن لوثر كينج الأصغر سيكون قائدًا عظيمًا لو لم يكن الأمر متعلقًا بالرفض الذي تعرض له بسبب رسالته ومهمته. وأتساءل عما إذا كان سيملأ مايكل جوردان الحماس والطاقة لأن يصبح واحدًا من أعظم لاعبي كرة السلة علي مر التاريخ، لو لم يكن الأمر يتعلق برفض مدربه له في المدرسة الثانوية. وأتساءل عما إذا كانت شركة آبل ستكون إحدى أضخم شركات التقنية في العالم لو لم يتعرض ستيف جوبز للرفض من شركته. والأمر الأكثر أهمية، أتساءل عما ستكون عليه حياتك إذا رجعت للحظات الرفض الخاصة بك، وبدلًا من أن تبكي، وتغضب، أو تشعر بالمرارة، قررت تحليل تلك اللحظات، وأعدت تفسيرها على أنها حماية أو إسقاط. وأتساءل عما إذا كنت دفنت تحت آلامك وظروفك المؤسفة كنزًا يمكنك الاستفادة منه. وأتساءل عما إذا كنت ستعثر على مفاتيح من شأنها أن تفتح لك مسارات جديدة في الحياة تفوق ما يمكنك التفكير فيه أو تخيله بكثير. وأتساءل عما إذا كانت المرحلة القادمة من نجاحك عالقة أسفل أكثر لحظات رفضك المؤلمة. لقد بدأت بسؤالك متى كانت آخر مرة تعرضت فيها للرفض؟ هل كان سببها مديرك؟ شريكك السابق؟ أحد الوالدين؟ صديق؟ أو فقط حظ عثر؟ وسوف أختم بسؤالك: ما الذي ستفعله بشأن ذلك؟ شكرًا. لقد كنتم رائعين. (تصفيق) (هتاف)