التحق (غونتر) بالعسكرية في
وقت مبكر من حياته.
وأخيراً، تم إرساله إلى (أفغانستان)
للمساعدة في الكشف عن القنابل.
في البداية بدا سلوك (غونتر) طبيعياً.
ولكن سرعان ما مر بتوتر غير عادي.
ولم يعد قادرا على اتباع الأوامر
أو إكمال مهامه،
وبعد نحو عام من إعادة التدريب،
تم إرساله إلى بلده.
عانى من مشكلة قدرته على الاندماج
مرة أخرى في المجتمع.
كان لا يزال قلقاً ويعاني من يقظة مفرطة.
كانت عائلته قلقة، ولكنها كانت صابرة.
هذه قصة مألوفة نوعاً ما، أليس كذلك؟
ليست قصة غريبة.
لكن ماذا إن أخبرتك أن (غونتر) كلب؟
في الآونة الأخيرة،
كان هناك أكثر من 50 حالة مماثلة
أوردها الجيش في تقاريره
حيث تظهر الكلاب ردود
أفعال متطرفة على القتال.
وفي حالة (غونتر)،
يعتقد معالجه العسكري أنه يعاني
من اضطراب ما بعد الصدمة الكلابي،
أو (PTSD)
لكن لماذا تعد قصة (غونتر) مهمة؟
حسنا، هناك أوجه تشابه واختلاف
في طريقة تعامل البشر
والحيوانات مع الضغوطات.
ولكن ما هو مهم حقا هنا
هو أننا لسنا الوحيدين
الذين لديهم رد فعل مبالغ به حيال الشدائد.
الأنواع الأخرى لديها أيضاً.
وفي حين أن قصص الكلاب التي تعرضت
لصدمات انتشرت عبر وسائل الإعلام الشعبية،
واحتمال أن الحيوانات الأخرى
قد تكون عرضة
لأمراض مثل (PTSD)
أصبح مثار جدال بين أوساط العلماء.
فاقترح بعض العلماء
أن (PTSD) ربما يكون النسخة المتطرفة
من رد فعل تهديد الحيوانات المفترسة.
وهناك عدد قليل من الأشياء في عالم الحيوان
أكثر أهمية من تهديدات الافتراس،
وأنه قد ربما يحصلون على فرصة واحدة فقط
لمعرفة المزيد عن هذه التهديدات.
ويؤيد هذا الاقتراح الفكرة التي تقول
أن كثير من أعراض الـ(PTSD)
تتطابق مع سلوكيات ضد الافتراس العادية،
مثل التوتر المتزايد،
وردود الفعل المفاجئة السريعة،
واليقظة المفرطة.
والحقيقة هي أن الضغوطات
يمكنها تغيير عقلك.
يمكنها تغيير الخلايا في الدماغ وكيفية
اتصال هذه الخلايا مع بعضها البعض.
في المناطق الدماغية المسئولة
عن التعلم والذاكرة،
يمكن للخلايا أن تتقلص وتصبح
أكثرعرضة لتحديات المستقبل.
في المناطق الدماغية المسئولة
عن تعديل الخوف،
يمكن للخلايا أن تنمو وتصبح
مرتبطة على نحو أفضل.
وبمرور الوقت، يمكن أن يكون للضغوطات
آثار مدمرة على الصحة والسلوك،
وكثير منا يعرف هذا عن تجربة شخصية،
ولكن الجديد هو الإدراك
بأن الحيوانات قد تعاني من آثار الضغوطات
أكثر بكثير مما نعتقد أنه ممكن.
وجدت أنا وزملائي في ولاية (بنسلفانيا)
أنه حتى في حال التعرض للضغوطات
في الحياة في وقت مبكر نسبيا،
لا تزال الحيوانات تظهر زيادة في القلق،
وتغييرات في طريقة اتخاذ القرارات،
وتغييرات في طريقة
مواجهة التحديات المستقبلية،
واختلافات في طريقة
إدراك البيئة المحيطة بهم.
هذه التغيرات موجودة
بالنسبة للغالبية في فترة حياتها.
لكن الحيوانات تعاني
من الضغوطات بطريقة مختلفة،
ومن خلال فهم الاختلافات بين الطريقة
التي تتعامل بها الأنواع مع الضغوطات
يمكننا أن نفهم على نحو أفضل كيف
شكل التطور ردود فعلنا حيال الضغوطات.
ومن السمات الهامة
التي نتقاسمها مع الحيوانات الأخرى،
في كيفية تنظيم الضغوطات،
هو قدرة أجسامنا على ايقاف
إنتاج هرمونات التوتر،
والذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من قدرتنا
على التعافي من التحديات.
عندما نتعرض للتوتر المزمن،
يتعطل نظام الإيقاف هذا.
نحن ننتج خليطنا الخاص من الهرمونات السامة
التي يمكن أن يحد من عمل المناعة،
ويمكن أن يقتل خلايا المخ، ويضعف الإدراك،
ويحد من الخصوبة.
يمكن للنتائج أن تكون مغيرة للحياة.
حتى أنه تم تداول أن هذا
يمكن أن يسهم في الشيخوخة.
ولكن في واحدة من حالات
الضغط الشديد جدا في النظام الطبيعي،
نحن لا نرى انخفاضا في القدرة
على وقف إنتاج هرمونات التوتر.
القوا نظرة على مثال شائع
على التفاعلات بين المفترس والفريسة والتي
تم تسجيلها منذ ثمانينات القرن التاسع عشر.
تعرضت أعداد حيوان الوشق والأرنب الثلجي
للازياد والانخفاض معاً.
وفي مرحلة ما من الدورة هذه،
أبيد 80.000 أرنب تقريبا
من قبل حيوان الوشق المفترس.
وبذهاب الأرانب، ذهب الطعام،
وسرعان ما بدأ حيوان الوشق بالموت أيضاً.
ولكن قبل أن يموت، يمكن له أن يقتل
ما يصل الى 90٪ من الأرانب .
وأما القلة من الأرانب التي
بقت على قيد الحياة، تلك القلة
مازالت لم تظهر حداً في القدرة
على إيقاف الهرمونات
كالقدرة التي نراها في الإنسان.
واحدة من ميزات الاستجابة للضغوطات
والتي نراها في الحيوانات الأخرى
أن الأبناء الذين ولدوا لأمهات
في بيئات عالية الضغوطات
يظهرون مجموعة أعراض مألوفة جداً:
قلق متزايد، وردود فعل مفاجئة سريعة،
ويقظة مفرطة.
هذه الحيوانات تقوم بردود فعل
في بيئة الضغوطات العالية
دون أن يتعرضوا أصلا لبيئة الضغوطات تلك.
ونعتقد أيضاً أنه عندما يكون
للضغط هذه الآثار،
من الأم للأبناء،
يمكن لهرمونات التوتر أن تعمل كوسطاء
من أجل تهيئة الجيل القادم
لمواجهة التحديات.
لذا فالسؤال هو:
لماذا تستجيب البشر والحيوانات بشكل مختلف؟
حسناً، لم نعرف بعد،
ولكن ما نعرفه هو أن الاختلافات
بين الأنواع في كيفية التعامل مع الضغوطات
يمكن أن تساعدنا على فهم أفضل
لردود أفعالنا حيال التوتر.
تطورت جذور الأمراض الحالية
لدينا في النظم الطبيعية،
ويمكن أن ندرس تلك النظم الطبيعية
من أجل فهم أفضل لماذا وكيف
حدثت هذه الردود المبالغ فيها.
وبغض النظر عن ما إذا كنت أعتقد
أن الكلب يمكن أن يواجه شيئا
معقداً كما اضطرابات ما بعد الصدمة،
هناك حالات في الأنواع الأخرى
حيث يظهر الأفراد، مثل البعض منا،
هذه الاستجابات المبالغ بها حيال الضغوطات،
ويمكننا أن نفهم على نحو أفضل هؤلاء الأفراد
وأيضاً نفهم أنفسنا بشكل أفضل.
حسناً، ماذا يعني لنا هذا؟
لسوء الحظ،
هناك وصمة عار مرتبطة
بالمصابين بالأمراض العقلية،
بما فيها اضطرابات ما بعد الصدمة.
ولكن من المهم أن نتذكر
أن اضطرابات ما بعد الصدمة
ترتبط برد فعل بيولوجي ومتكيف
والذي تطور للتعامل مع
المواقف المهددة للحياة.
أن نغير في طريقة نظرتنا قد يساعد
للتغلب على هذه الصور النمطية السلبية
التي ترتبط بالأمراض العقلية.
والحقيقة هي أن الضغوطات
يمكنها أن تغير دماغك.
إنها فكرة مخيفة،
ولكن لدي أخبار جيدة:
يمكنك أن تدافع، يمكنك أن تغير دماغك أيضا.
هناك عدد من الطرق للحد من آثار الضغوطات.
توجد طريقتان سهلتان.
الأولى هي ممارسة الرياضة.
ممارسة الرياضة يمكن أن تؤثر
كثيراً على عقلك
حتى تتمكن مباشرة من
كبح التغيرات الناتجة عن الضغوطات.
يمكن للرياضة أن تزيد من كثافة الخلية
وتعزيز بقاء الخلايا في الدماغ
في نفس الأماكن التي هاجمتها الضغوطات.
يمكن للرياضة أيضا أن تحافظ على الخلايا
التي تتحكم بضغط الدم من النمو دون مراقبة
20 دقيقة فقط من تمارين الإيروبيك،
ثلاث مرات في الأسبوع،
يمكن أن تساعد في تغيير دماغك ما يكفي
لإبطال مفعول آثار الضغوطات.
وهناك طريقة ثانية لتخفيف آثار الضغوطات
هو ببساطة أن نعرض أنفسنا على شخص
من ذوي الخبرة في هذا المجال.
الطبيب الماهر وذو المعرفة
يمكنه أن يساعدك على تغيير دماغك
لتعزيز الاتصالات التي
تحد من استجابات الخوف.
يمكنك الحد من تأثير الضغوطات في حياتك
ببساطة عن طريق السيطرة على ردة فعلك تجاهه.
وبالنسبة لـ(غونتر)،
نحن نعرف الآن أنه من خلال فهم أفضل
لردة فعله المبالغ بها تجاه الضغوطات،
نستطيع أن نفهم أنفسنا بشكل أفضل،
ويمكننا أن نساعد حالات مثل (غونتر)،
والذين عانوا من الصدمات،
بأن يتجاوزوا تجاربهم السيئة.
يمكنك التخفيف من آثار الضغوطات
ببساطة عن طريق التحكم في كيفية استجابتك،
ويمكنك الحد من تأثير
الضغوطات على عقلك وجسمك.
(تصفيق)