أنا كائن شره وفضولي ثقافيا، والذي أصبح تنقله اليومي ممكنا بفضل تعلقه بالأيبود، أيبود يحتوي على مقطوعات لفاجنر وموزارت، نجمة موسيقى البوب كرستينا أقليرا، مغني الكونتري جوش ترنر، فنان الراب كيرك فرانكلين، الكونشيرتو، السيمفونيات، والكثير الكثير، أنا قارىء نهم، قارىء يتنقل من إيان ماك إيوان إلى ستيفاني ماير. قد قرأت ثلاثية "الشفق". وأيضا شخص يعشق مسرحه المنزلي بجنون، مسرح منزلي ألتهم فيه أقراص الديفيدي المتاحة عند الطلب والكثير من برامج التلفاز. بالنسبة لي مسلسلات مثل، "القانون والنظام: وحدة الضحايا الخاصة"، تينا فاي و "30 روك" و "القاضية جودي" -- الأشخاص حقيقون، والقضايا حقيقية، والأحكام نهائية". الآن، أنا مقتنع أن الكثير منكم على الأغلب يشاركوني نفس الشغف، خصوصا ولعي بـ "القاضية جودي"، وأنكم تُواجهون أيّ شخص يحاول إيقاف البرنامج وحرماننا منها، ولكني لست متأكدا مما إذا كنتم تشاركونني الشغف الأساسي في حياتي، وهو شغفي بالعروض المسرحية المحترفة، العروض التي تمثل الإحترافية الأوركسترالية، نعم، ولكن عروض الجاز كذلك، الرقص الحديث، الأوبرا المسرح، والمزيد المزيد. تعلمون، بصراحة، إنه قطاع يقلق الكثيرون منّا ممن يعملون فيه أنه مهدد وربما على وشك التفكك بسبب التكنولوجيا. عندما كنا في أوّل الأمر نُبشّر بالإنترنت على أنّها أداة التسويق المذهلة التي كانت ستحلّ كلّ مشاكلنا، نحن الآن ندرك أنّ الإنترنت هي، للأمانة، جدا فعّالة في هذا الشأن. بالإستناد لمن تقرأ، إن كانت منظمة للفنون، أو فنانا، يحاول أن يستقطب إهتمام شخص من المحتمل أن يهتم بشراء تذاكر عروضه، هم الآن يتنافسون مع ثلاثة إلى خمسة الآف رسالة تسويقية مختلفة يراها الشخص العادي في اليوم الواحد. نحن نعلم في الحقيقة أنّ التكنولوجيا هي المنافس الأكبر لنا في مجال ملئ أوقات الفراغ. قبل خمس سنوات، أنفق المنتمون للجيل إكس (المولودون بين 1965 و 1981) 20.7 ساعة على الإنترنت والتلفاز، الغالبية منها على التلفاز. الجيل واي (الأحدث) ينفق وقتا أكثر حتى -- 23.8 ساعة، الغالبية منها على الإنترنت. وحاليا، الطالب الاعتيادي الذي يدخل الجامعة يأتي للكليّة وقد أمضي 20.000 ساعة من حياته على الإنترنت و 10.000 ساعة إضافية في لعب ألعاب الفيديو، وهو الأمر الذي يذكرنا بشكل قاسٍ أننا نعيش في سياق ثقافي حيث مبيعات ألعاب الفيديو الآن تتجاوز مبيعات كلا من الأفلام والتسجيلات الموسيقية مجتمعين. علاوة على هذا، نحن نخشى الآن أن التكنولوجيا غيّرت إفتراضاتنا عن الإستهلاك الثقافي. بفضل الإنترنت، صرنا نعتقد أننا نستطيع الحصول على أي شيء نشاءه وقت ما نشاء، يصل حتى لعتبة دارنا إن أردنا. نستطيع أن نتسوق في الثالثة فجرا أو الثامنة مساء، لنطلب الجينز الذي يتم تعديله خصيصا ليوافق شكل أجسادنا. توقعات عن التخصيص والتعديل والتي لا يمكن للعروض الحية -- والتي تملك أوقات عروض محددة، أماكن عرض محددة، ويتكبد فيها الحاضرون مشقة التنقل، البحث عن موقف لسياراتهم وما إلى ذلك -- لايمكن للعروض الحية ببساطة الوفاء بهذه التوقعات. ونحن كلنا في الواقع واعون: ما الذي سيعنيه في المستقبل عندما نطلب من شخص أن يدفع مئة دولار لأجل تذكرة حضور سيمفونية، عرض أوبرا، أو باليه، بينما المستهلك الثقافي معتاد على التحميل من الإنترنت على مدار اليوم وفقط مقابل 99 سنت أو حتى مجانا؟ هذه أسئلة ضخمة لهؤلاء من بيننا الذين يعملون في هذا الحقل. ولكن كما نشعر نحن أنها تنطبق علينا على وجه التحديد، إلا أننا نعلم أننا لسنا وحيدين. كلنا منخرطون في إعادة صياغة جذرية، زلزالية للثقافة والاتصال، إعادة صياغة صادمة وقوية لمجال عمل الصحف، المجلات، الكتب والنشر والمزيد. مثقلة، كما هو الوضع مع الفنون الحية، بمعاهدات النقابات العتيقة التي تحد وغالبا ما تمنع إعادة النسخ والبث، وتحصرها بمُنشآت ضخمة صُمِّمت لتحجر وتُجمّد العلاقة المثالية بين الفنان والجمهور بشكل كان أنسب للقرن التاسع عشر لا الواحد والعشرين وحصرت بمفهوم التجارة معتمدة على مردودات التذاكر العالية، حيث نطلب أسعارا باهظة، الكثير منّا يرتعد خوفا كردة فعل على انهيار تسجيلات "تاور" ونسأل أنفسنا، "هل سنكون نحن اللاحقون؟" كل من أتحدث لهم في مجال الفنون يرددون كلمات أدريان ريتش، والتي كتبت في "أحلام لغة مشتركة"، "نحن في دولة ليس لديها، لا لغة، ولا قانون. كل ما نفعله هو الإبتكار البحت. الخرائط التي أعطونا إياها أصبحت متقادمة منذ سنوات". ولأولئك الذين يعشقون الفنون منكم، ألستم سعيدين بدعوتي اليوم لأضفي الإشراق على يومكم؟ (ضحك) (تصفيق) الآن، بدلا من القول أننا نقف على حافة إندثارنا، أفضّل الإعتقاد أننا أخذون في الإنخراط في إصلاح جذري، إصلاح أشبه بالإصلاح الديني الذي حدث في القرن السادس عشر. الثورة الفنية، كما الثورة الدينية، ازدهرت جزئيا بفضل التكنولوجيا، ومع الطباعة كقائدة للتغيير في مجال الإصلاح الديني عن جدارة. كلا الثورتين استندتا على النقاشات الحادة، والشكوك الذاتية وإعادة صياغة قواعد الأعمال البالية. وفي الصميم، كلا الثورتين، أعتقد، كانتا تطرحان ذات الأسئلة: من هو المعنيّ بالممارسة؟ كيف يتم السماح له بالممارسة؟ وبالفعل، هل نحتاج لشخص ما ليكون وسيطا لنا لأجل أن تكون لنا تجربة روحانية مع الإله؟ كريس أندرسون، شخص أثق في أنكم كلكم تعرفونه، محرر ورئيس مجلة Wired ومؤلف كتاب "الذيل الطويل"، بحق كان، بالنسبة لي، أول من وضح الكثير عن هذا المفهوم. كتب، منذ وقت طويل، بفضل اختراع الإنترنت تكنولوجيا الويب، الكاميرات الصغيرة والمزيد، أصبحت وسائل الإنتاج الفني ديموقراطية ومتاحة للجميع وذلك لأول مرة في كل التاريخ الإنساني. في ثلاثينات القرن العشرين، لو أراد أي منكم صناعة فيلم، كان لزاما عليكم أن تعملوا مع شركة الإخوان ورنر، أو "آر كي أو" لأن من كان وقتها يستطيع تحمل تكلفة موقع تصوير الفيلم وأدوات الإضاءة والمونتاج والتسجيل وغيرها؟ والآن من منكم اليوم في هذه القاعة لا يعرف فتاة في الرابعة عشرة من العمر تعمل بجد على فيلمها الثاني، أو الثالث، أو الرابع؟ (ضحك) وبشكل مماثل، وسائل التوزيع الفني أصبحت ديموقراطية لأول مرة في تاريخ البشر. مرة أخرى، في الثلاثينات كانت شركات مثل الإخوان ورنر و "آر كي أو" كانوا يفعلون هذا لك. الآن لديك يوتيوب، فيس بوك; لديك الإنتشار والتوزيع في العالم بأكمله دونما الحاجة لمغادرة غرفتك. هذا التأثير المضاعف يخلق فرص ضخمة لإعادة تعريف السوق الثقافي، في زمن يصبح فيه كل الأشخاص مؤلفين محتملين. بصراحة، ما أصبحنا نراه الآن في هذا المحيط هو وقت سانح، يتغير فيه العالم كله. بينما ننتقل من الزمن الذي أعداد الجماهير فيه تتراجع. إلى الزمن الذي عدد المساهمين فيه بالفن، الأشخاص الذين يكتبون الشعر، يغنون الأغاني، يؤدون في جوقة الكنيسة، يزدادبشكل يتجاوز أكثر خيالاتنا جموحا. هذه المجموعة، والتي أصبح يطلق عليها "برو آمز"، فنانون هواة يقومون بالعمل على مستوى احترافي. ترونهم على اليوتيوب، في مسابقات الرقص، مهرجانات الأفلام، وهكذا. إنّهم يوسعون مفاهيمنا حول المفردات الجمالية بصورة جذرية، بينما يتحدون ويقللون من السطوة الثقافية لمؤسساتنا التقليدية. بالنهاية، نحن نعيش في عالم لا يحكمه الاستهلاك، وإنما التفاعل والمشاركة. لكني أريد أن أوضح، بالضبط مثلما لم تكن الثورة الدينية النهاية للكنيسة الرسمية ولا للكهنوت. أنا أعتقد أن منشآتنا الفنية ستبقى لها أهميتها. هم الآن يوفرون أفضل الفرص ليكون للفنانين حياة تتسم بالكفاف المادي، ليس الثراء، وإنما الكفاف. وهي أيضا الأماكن حيث الفنانون الذين يريدون ويستحقون أن يعملوا بمستوى معين من الامكانات سيجدونها دارا لهم. ولكن النظر لهذه المؤسسات وكأنها مرادف لمجتمع الفنون بأكمله هي نظرة ضيقة الأفق، جدا. وبالفعل، بينما كنا نميل لوضع كل من الهواة والمحترفين على طرفي نقيض، أكثر التطورات إثارة في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة كان التصاعد في عدد الفنانين المرموقين، الفنانين المحترفين، الذين لا يعملون بالضرورة في قاعة الحفل أو على المسرح وإنما بشكل متزايد حول حقوق المرأة، أو حقوق الإنسان، أو قضية الاحتباس الحراري العالمي، أو مساعدة مرضى الأيدز ونحوها، ليس من منطلق الضرورة الاقتصادية، ولكن مدفوعين بقناعة ذاتية وعميقة أن العمل الذي ينبغي لهذا الفنان أو الفنانة القيام به لا يمكن تحقيقه في بيئة الفنون المنغلقة والتقليدية. اليوم عالم الرقص لم يعد يُعرف فقط بما يحدده باليه وينبيغ الملكي أو الباليه الوطني الكندي، ولكن بما يمليه ليز ليرمان التفاعلي للرقص، وهي شركة رقص محترفة، متعددة الأجيال، أعمار راقصيها تتراوح بين الثامنة عشرة وحتى الثانية والثمانون، وهم يعملون مع باحثين في علم الجينوم من أجل عزل ودراسة وحدة الحمض النووي ومع علماء الفيزياء النووية في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. مجتمع المسرح الاحترافي اليوم يعرف، ليس فقط بمهرجانات شاو وستراتفورد، ولكن بمسرح كورنرستون في لوس أنجلس، تجمع للفنانين، الذين بعد 9/11، جمعوا 10 مجتمعات دينية مختلفة -- البهائيون، الكاثوليك، المسلمون، اليهود، وحتى الأمريكيون الأصليون وجمعيات مثليي ومثليات الجنس الذين يجمعهم الاعتقاد، ليساعدوهم على ابتكار مسرحياتهم الخاصة ومسرحية ضخمة مشتركة، حيث يكتشفون الاختلافات في اعتقاداتهم ويجدوا القواسم المشتركة كخطوة أولى مهمة نحو التعافي والتعايش في كل أطياف المجتمع. المؤدون الحاليون، هم مثل روديسا جونز، تعمل في سجون النساء، لتساعد النساء السجينات على التعبير عن آلام السجن، بينما يعمل كُتَّاب المسرحيات والمخرجون مع الشباب المنخرطون في العصابات ليجدوا قنوات أخرى بدلا من العنف ومثل هذه النماذج الكثير الكثير. وبالفعل، أعتقد أنه بدلا من أن تتهاوى، الفنون الحية هي على شفا الوقت الذي نصبح فيه أكثر أهمية من أي وقت مضى. تعلمون، كنا لوقت طويل نقول، أننا مهمون لمجتمعات الصحة والاقتصاد في مدينتك. بكل تأكيد. أتمنى أنكم تعلمون أن كل دولار تنفقونه على عروض الفنون في مجتمع يولد خمسة إلى سبعة دولار كعائد على الاقتصاد المحلي، الدولارات المنفقة على المطاعم أو المواقف، في محلات الأقمشة حيث نشتري القماش لأجل أزياء العرض، ضابط نغمات البيانو الذي يهيىء الأدوات الموسيقية ونحو ذلك. ولكن الفنون ستصبح أكثر أهمية للاقتصاد كلما مضينا قدما، خصوصا في الصناعات التي لا يمكننا للآن تخيلها، بالضبط كما كان بعضها أساسيا للأيبود ولصناعة ألعاب الكمبيوتر، والتي القليل منّا، إن وجد أصلا استطاع التنبؤ بها قبل 10 أو 15 سنة مضت. قيادات الأعمال ستعتمد أكثر فأكثر على الذكاء العاطفي، القدرة على الاستماع بعمق، أن يكون لديها التعاطف، أن تُعبِّر عن الحاجة للتغيير، أن تُحفّز الآخرين -- نفس الإمكانات التي يغرسها الفن في كل مجالاته. خصوصا الآن، حينما ينبغي علينا كلنا مواجهة مغالطات التوجه الذي يقضي بتحويل كل شيء إلى سوق، والذي يغيب عنه الضمير الاجتماعي، علينا أن نغتنم الفرصة ونحتفي بقدرة الفن على صقل طباعنا الشخصية والوطنية، وخصوصا طباع الشباب، الذين، على الأغلب، مُعرّضون لسيل من الضجيج الحسيّ، بدلا من التجارب المدروسة. وبالنهاية، خصوصا الآن، في هذا العالم، حيث نعيش في سياق من قوانين الهجرة المتردية والمضنية، من برامج تلفزيون الواقع التي ترتكز على الإذلال والإهانة، وسياق من التحليل، حيث الشيء الذي نسمعه باستمرار، مرارا وتكرارا في الولايات المتحدة، في كل محطة قطار، كل محطة حافلة، كل مطار هو، "السيدات والسادة، رجاء قوموا بالتبليغ عن أي سلوك مريب أو أفراد مريبين لدى السُّلطات الأقرب منكم"، حينما يتم تشجيعنا بكل هذه الطرق لأن ننظر لأخينا الإنسان بالعدائية والتخوف والازدراء والتوجس. الفنون، أينما حلت، وكلما تجمعنا معا، تدعونا لننظر لأخينا الإنسان بمروءة وسخاء وحب تطلع. الله وحده يعلم، لو كنا لنحتاج مثل هذه القدرة على التعاطف في كل تاريخنا البشري ما أحوجنا لها الآن. تعلمون، نحن مرتبطون بعضنا بالآخر، لا بالتكنولوجيا، باعتقادي، ولا بالترفيه، ولا بالتصميم، وإنما بقضية الإنسانية المشتركة. نحن نعمل لنعزز وجود مجتمعات صحية وملأى بالحياة، لنرفع من معاناة البشر، لننشر نظاما عالميا أكثر عقلانية، أكثر استقرارا، أكثر تعاطفا. أنا أحييكم جميعا كناشطين في هذا السعي وأحثُّكم على دمج وإعلاء شأن الفنون فيما تفعلونه، أيّاً كان هدفكم. أنا أعدكم أن ذراع مؤسسة دوريس دوك الخيرية تمتد رحبة بالصداقة والتعاون حاليا وللسنوات القادمة. وأشكركم للطفكم ولسعة صدركم باستماعكم لي هذا المساء. شكرا لكم، وأتمنى لكم التوفيق.