1 00:00:01,617 --> 00:00:03,582 عندما كنت أبلغ الثامنة، 2 00:00:03,582 --> 00:00:05,740 التحقت فتاة جديدة بالقسم، 3 00:00:05,740 --> 00:00:08,773 و كانت مثيرة فعلا للاهتمام، 4 00:00:08,773 --> 00:00:11,055 كما حال أيّ فتاة جديدة. 5 00:00:11,055 --> 00:00:13,733 لقد كان لها شعر كثيف لامع 6 00:00:13,733 --> 00:00:16,773 و علبة أقلام رصاص صغيرة ظريفة، 7 00:00:16,773 --> 00:00:20,361 تعرف جيدا عواصم الولايات، 8 00:00:20,361 --> 00:00:22,853 و تجيد الهجاء. 9 00:00:22,853 --> 00:00:27,803 أحسست بغيرة شديدة تلك السنة، 10 00:00:27,803 --> 00:00:31,346 إلى أن خطرت لي خطة خبيثة. 11 00:00:31,346 --> 00:00:35,579 في إحدى الأيام، بقيت إلى وقت متأخر بعد الدروس، 12 00:00:35,579 --> 00:00:39,659 متأخر جدا، و اندسست في حمام تلك الفتاة. 13 00:00:39,659 --> 00:00:41,994 و عندما أصبح الوقت مناسبا، خرجت من مخبئي، 14 00:00:41,994 --> 00:00:43,733 و تسللّت إلى غرفة الدرس، 15 00:00:43,733 --> 00:00:47,590 و أخذت كراس النتائج من مكتب الأستاذ. 16 00:00:47,590 --> 00:00:49,926 ثمّ فعلتها. 17 00:00:49,926 --> 00:00:52,293 لقد عبثت بنتائج عدوّتي، 18 00:00:52,293 --> 00:00:55,123 قليلا فقط، لقد قلّلت من نتائج "حسن جدا" الخاصة بها. 19 00:00:55,123 --> 00:00:58,222 كلّ نتائج "حسن جدا" (ضحك) 20 00:00:58,222 --> 00:01:01,965 و هممت بإعادة الكراس إلى مكانه في الدّرج، 21 00:01:01,965 --> 00:01:04,999 لكن مهلا، هناك زملاء آخرون بالفصل 22 00:01:04,999 --> 00:01:08,492 لهم نتائج جيدة أيضا. 23 00:01:08,492 --> 00:01:10,540 و في لحظة جنون مؤقّت، 24 00:01:10,540 --> 00:01:12,528 قمت بتغيير نتائج جميع التلاميذ، 25 00:01:12,528 --> 00:01:14,437 بطريق غير مبدعة. 26 00:01:14,437 --> 00:01:16,951 إذ أعطيت الجميع علامات الرسوب، 27 00:01:16,951 --> 00:01:19,752 بينما أعطيت لنفسي أحسن النتائج، 28 00:01:19,752 --> 00:01:22,552 بما أنّني كنت هناك، تعلمون. 29 00:01:22,552 --> 00:01:28,162 و لازلت مدهوشة ممّا ما فعلته في ذلك اليوم. 30 00:01:28,162 --> 00:01:30,574 لم أتمكّن من فهم كيفية تفكيري في فعلة مماثلة. 31 00:01:30,574 --> 00:01:33,903 أو لماذا أحسست بالعظمة أثناء القيام بها. 32 00:01:33,903 --> 00:01:35,426 لقد كان شعورا رائعا. 33 00:01:35,426 --> 00:01:38,005 لم أفهم لماذا لم يكتشف أحد فعلتي. 34 00:01:38,005 --> 00:01:39,601 فالأمر كان مكشوفا و في غاية الوضوح. 35 00:01:39,601 --> 00:01:40,914 لكن لم يتمّ أبدا الإيقاع بي. 36 00:01:40,914 --> 00:01:43,435 لكن ما حيّرني أكثر كان 37 00:01:43,435 --> 00:01:44,942 لماذا أزعجني جدّا كون 38 00:01:44,942 --> 00:01:46,886 تلك الفتاة الصغيرة، تلك الفتاة الصغيرة جدا، 39 00:01:46,886 --> 00:01:48,600 تجيد التهجئة جيّدا؟ 40 00:01:48,600 --> 00:01:50,710 الغيرة تحيّرني. 41 00:01:50,710 --> 00:01:53,634 إنّها أمر غامض جداّ، لكن متفشّ جداّ. 42 00:01:53,634 --> 00:01:56,100 نعلم أنّ الرّضع يستطيعون الاحساس بالغيرة. 43 00:01:56,100 --> 00:01:59,750 و الرئيسيات أيضا. و بعض الطيور أيضا عرضة لهذا الشعور. 44 00:01:59,750 --> 00:02:03,270 نعلم أنّ الغيرة هي الدافع الأول لجرائم القتل 45 00:02:03,270 --> 00:02:06,186 الزوجية في الولايات المتحدة الأمريكية. 46 00:02:06,186 --> 00:02:09,290 و رغم ذلك، فلا يوجد ولو دراسة واحدة 47 00:02:09,290 --> 00:02:12,205 تستطيع تحليل أحاسيس الوحدة و الهيجان و الألم 48 00:02:12,205 --> 00:02:17,059 المرافقة للشعور بالغيرة. 49 00:02:17,059 --> 00:02:19,906 لمعرفة ذلك، علينا اللجوء للخيال، 50 00:02:19,906 --> 00:02:22,246 لأنّ الرواية هي المختبر 51 00:02:22,246 --> 00:02:23,820 الذي قام بدراسة الغيرة 52 00:02:23,820 --> 00:02:25,894 بكل جوانبها الممكنة. 53 00:02:25,894 --> 00:02:29,218 في الواقع، لا أدري إن كان في الأمر مبالغة 54 00:02:29,218 --> 00:02:31,250 لكن إن لم يكن هناك شعور الغيرة، 55 00:02:31,250 --> 00:02:33,800 فهل سيكون للأدب وجود؟ 56 00:02:33,800 --> 00:02:37,390 إذ لن توجد هيلين الكافرة و لا الأوديسية. 57 00:02:37,390 --> 00:02:40,228 ما من ملك غيور، و ما من "ليال عربية". 58 00:02:40,228 --> 00:02:43,365 ما من شكسبير. 59 00:02:43,365 --> 00:02:45,555 تختفي لوائح القراءة في المدرسة الثانوية، 60 00:02:45,555 --> 00:02:47,367 لأنّه لن يكون هناك وجود ل"الضجيج و الغضب"، 61 00:02:47,367 --> 00:02:49,616 ولا "غاتسبي" أو "الشمس تشرق أيضا"، 62 00:02:49,616 --> 00:02:53,743 و رواية "السيدة بوفاري"، و "آنا كاي". 63 00:02:53,743 --> 00:02:56,150 لن يكون هناك وجود للروائيّ بروست، و الآن 64 00:02:56,150 --> 00:02:57,911 أعلم أنّه أصبح سائدا قول أنّ بروست 65 00:02:57,911 --> 00:02:59,518 يمتلك كلّ الأجوبة حول كلّ شيء، 66 00:02:59,518 --> 00:03:02,224 لكن عند الحديث عن الغيرة، 67 00:03:02,224 --> 00:03:04,965 فهو كذلك بالفعل. 68 00:03:04,965 --> 00:03:08,951 هذه السنة أثناء الاحتفال بمئويّة تحفته الأدبيّة "البحث عن الوقت الضائع"، 69 00:03:08,951 --> 00:03:12,952 وهي أكبر دراسة متعبة حول الغيرة ذات الطابع الجنسيّ 70 00:03:12,952 --> 00:03:15,104 و التنافس العاديّ، على نفس طريقتي، 71 00:03:15,104 --> 00:03:17,689 وهو ما نأمل كلّنا الحصول عليه. (ضحك) 72 00:03:17,689 --> 00:03:20,116 عندما نفكّر ببروست، فنحن نفكّر 73 00:03:20,116 --> 00:03:21,610 بالتفاصيل الشعورية، أليس كذلك؟ 74 00:03:21,610 --> 00:03:23,565 نفكّر بطفل صغير يحاول النّوم. 75 00:03:23,565 --> 00:03:27,746 نفكّر بقطعة كعك مغمّسة في كوب شاي بالخزام. 76 00:03:27,746 --> 00:03:29,772 و نتناسى قسوة رؤياه. 77 00:03:29,772 --> 00:03:31,612 ننسى كيف أنّه عديم الشفقة. 78 00:03:31,612 --> 00:03:33,933 هناك كتب قالت عنها فيرجينيا وولف 79 00:03:33,933 --> 00:03:36,269 أنّها بقسوة أمعاء القط. 80 00:03:36,269 --> 00:03:38,317 لا أدري ما هي أمعاء القط، 81 00:03:38,317 --> 00:03:41,218 لكن لنفترض كونها رائعة. 82 00:03:41,218 --> 00:03:44,436 لنرى ما الذي يجعل الرواية و الغيرة، و بروست و الغيرة 83 00:03:44,436 --> 00:03:48,114 تتماشى جيدا مع بعضها البعض. 84 00:03:48,114 --> 00:03:51,345 أليس من الواضح أنّ الغيرة، 85 00:03:51,345 --> 00:03:54,728 التي تحقن دماء الشخص شغفا و حنقا، 86 00:03:54,728 --> 00:03:59,396 هي أساس سرديّ قوي؟ 87 00:03:59,396 --> 00:04:02,071 لا أدري. أظنّها أنّها تصيب مباشرة في الصميم، 88 00:04:02,071 --> 00:04:04,120 و لفهم ذلك دعونا نفكّر في ما يحصل 89 00:04:04,120 --> 00:04:05,898 عندما نحسّ بالغيرة. 90 00:04:05,898 --> 00:04:09,850 عندما نغار، نخبر أنفسنا قصّة. 91 00:04:09,850 --> 00:04:14,133 نخبر أنفسنا قصة حول حيوات الأشخاص الآخرين، 92 00:04:14,133 --> 00:04:16,807 و تلك القصص هي ما يشعرنا بالسوء 93 00:04:16,807 --> 00:04:19,030 لأنّ ذلك هو الهدف من وجودها. 94 00:04:19,030 --> 00:04:21,564 سواء أكان راوي الحكاية أو الجمهور، 95 00:04:21,564 --> 00:04:23,538 فنحن نعلم تماما ما هي التفاصيل بالذات التي نضيفها 96 00:04:23,538 --> 00:04:27,107 حتّى يتزايد احساسنا بالسوء. أليس كذلك؟ 97 00:04:27,107 --> 00:04:30,462 الغيرة تجعل منّا كلّنا روائيّين هاوين، 98 00:04:30,462 --> 00:04:32,478 و هذا أمر كان بروست قد فهمه. 99 00:04:32,478 --> 00:04:35,651 في الجزء الأول من سلسلة كتب 100 00:04:35,651 --> 00:04:37,475 طريق سوان، 101 00:04:37,475 --> 00:04:39,181 كان سوان، إحدى الشخصيات الرئيسية، 102 00:04:39,181 --> 00:04:42,409 يفكّر في عشيقته بشغف، 103 00:04:42,409 --> 00:04:44,101 و روعتها أثناء ممارسة الجنس، 104 00:04:44,101 --> 00:04:47,143 و فجأة، بعد بعض الجمل القليلة، 105 00:04:47,143 --> 00:04:49,184 جمل مؤلّفها بروست، 106 00:04:49,184 --> 00:04:50,696 لذا فهي طويلة كالأنهار، 107 00:04:50,696 --> 00:04:52,959 لكن بعد بعض الجمل، 108 00:04:52,959 --> 00:04:55,366 ينتفض سواي مدركا، 109 00:04:55,366 --> 00:04:58,649 "مهلا، كل ما أحبه في هذه المرأة، 110 00:04:58,649 --> 00:05:02,420 قد يجعل أي شخص يحبها. 111 00:05:02,420 --> 00:05:05,511 كل ما تفعله و يجعلني أتستمع، 112 00:05:05,511 --> 00:05:07,220 قد يجعل شخصا آخر يستمتع، 113 00:05:07,220 --> 00:05:09,498 ربما في هذه اللحظة بالذات." 114 00:05:09,498 --> 00:05:12,282 و تلك هي القصة التي يبدأ في حكايتها لنفسه، 115 00:05:12,282 --> 00:05:14,145 و منذ تلك اللحظة، أصبح بروست يكتب 116 00:05:14,145 --> 00:05:17,192 أنّ كل مفاتن يراها سوان في عشيقته، 117 00:05:17,192 --> 00:05:19,856 يقوم باضافتها إلى "مجموعة الأدوات 118 00:05:19,856 --> 00:05:23,478 في غرفة التعذيب الخاصة به." 119 00:05:23,478 --> 00:05:25,753 علينا أن نعترف أنّ سوان و بروست 120 00:05:25,753 --> 00:05:27,429 كانا مشهورين بالغيرة. 121 00:05:27,429 --> 00:05:29,133 كان أحباب بروست مجبرين على مغادرة 122 00:05:29,133 --> 00:05:31,737 البلد إن كانوا يريدون انهاء علاقتهم به. 123 00:05:31,737 --> 00:05:34,640 لكنك لا تحتاج لذلك الكم من الغيرة 124 00:05:34,640 --> 00:05:37,551 حتّى تعترف أنّها متعبة فعلا. أليس كذلك؟ 125 00:05:37,551 --> 00:05:39,160 الغيرة مرهقة فعلا. 126 00:05:39,160 --> 00:05:42,807 إنّها احساس جائع يحتاج أن يتغذّى. 127 00:05:42,807 --> 00:05:44,896 و ما الذي تحبّه الغيرة؟ 128 00:05:44,896 --> 00:05:47,986 إنّها تحبّ المعلومة. 129 00:05:47,986 --> 00:05:50,375 الغيرة تحبّ التّفاصيل. 130 00:05:50,375 --> 00:05:53,198 الغيرة تحبّذ الصفات الجيدة للشعر اللامع 131 00:05:53,198 --> 00:05:55,664 و حقيبة أقلام الرصاص الظريفة. 132 00:05:55,664 --> 00:05:57,206 الغيرة تحبّ الصور، 133 00:05:57,206 --> 00:06:00,936 و لذلك فموقع ’انستاغرام’ ناجح. (ضحك) 134 00:06:00,936 --> 00:06:04,897 بروست كان في الواقع يربط بين لغة العلم و الغيرة. 135 00:06:04,897 --> 00:06:07,339 عندما يكون سوان في نوبات الغيرة، 136 00:06:07,339 --> 00:06:09,510 و فجأة أصبح ينتبه للأصوات في الممرات، 137 00:06:09,510 --> 00:06:11,533 و يعطي رشاو لخدام عشيقته، 138 00:06:11,533 --> 00:06:12,985 و هو يدافع عن هذه السلوكات. 139 00:06:12,985 --> 00:06:15,402 يقول:" اسمع، أعلم أنّك ترى أنّ هذا لا يجوز، 140 00:06:15,402 --> 00:06:17,208 لكنه لا يختلف كثيرا عن 141 00:06:17,208 --> 00:06:19,558 تحليل نص عتيق 142 00:06:19,558 --> 00:06:21,225 أو النّظر إلى معلم." 143 00:06:21,225 --> 00:06:23,822 و يقول:" إنّها أبحاث علميّة 144 00:06:23,822 --> 00:06:26,825 ذات قيمة فكريّة حقيقيّة." 145 00:06:26,825 --> 00:06:28,937 بروست يحاول أن يرينا أنّ الغيرة 146 00:06:28,937 --> 00:06:31,828 تبدو كأنّها لا تطاق و تجعلنا كالمجانين، 147 00:06:31,828 --> 00:06:36,498 لكنها في جوهرها بحث عن المعرفة، 148 00:06:36,498 --> 00:06:39,899 بحث عن الحقيقة، الحقيقة المرّة، 149 00:06:39,899 --> 00:06:41,828 و في الواقع، عندما يكون بروست معنيّا بالأمر، 150 00:06:41,828 --> 00:06:44,620 كلّما كانت الحقيقة أمرّ، كلمّا كان ذلك أفضل. 151 00:06:44,620 --> 00:06:49,357 ألم، إهانة و خسارة: 152 00:06:49,357 --> 00:06:52,313 تلك كانت سبل الحكمة بالنّسبة لبروست. 153 00:06:52,313 --> 00:06:56,215 كان يقول:" المرأة التي نحتاجها 154 00:06:56,215 --> 00:06:59,001 و التي تجعلنا نتألّم، تكشف فينا 155 00:06:59,001 --> 00:07:02,506 سلسلة من الأحاسيس أكثر عمقا و قوة 156 00:07:02,506 --> 00:07:06,945 من ما قد يكشفه لنا رجل عبقريّ." 157 00:07:06,945 --> 00:07:09,820 هل كلّ ما يخبرنا به هو أن نجد نساء قاسيات ؟ 158 00:07:09,820 --> 00:07:12,117 لا. أظنّ أنّه يحاول أن يقول لنا 159 00:07:12,117 --> 00:07:15,286 الغيرة تكشف عن بواطننا لأنفسنا. 160 00:07:15,286 --> 00:07:18,182 و هل هناك احساس آخر يقوم بالكشف عن بواطننا 161 00:07:18,182 --> 00:07:20,510 بنفس هذه الطّريقة؟ 162 00:07:20,510 --> 00:07:22,590 هل هناك شعور آخر يكشف عن مدى عدوانيّتنا 163 00:07:22,590 --> 00:07:25,923 و قبح طموحاتنا 164 00:07:25,923 --> 00:07:28,322 و مدى استحقاقاتنا؟ 165 00:07:28,322 --> 00:07:30,972 هل هناك أيّ شعور آخر يعلّمنا النّظر 166 00:07:30,972 --> 00:07:34,164 بتلك الكيفية القوية؟ 167 00:07:34,164 --> 00:07:36,316 فرويد كتب عن هذا لاحقا. 168 00:07:36,316 --> 00:07:38,570 يوما ما، زار فرويد 169 00:07:38,570 --> 00:07:40,892 شخص مهموم جدّا كانت تشغله 170 00:07:40,892 --> 00:07:43,395 فكرة كون زوجته تخونه. 171 00:07:43,395 --> 00:07:45,472 و قال فرويد أنّ هناك أمرا غريبا بشأن هذا الشخص، 172 00:07:45,472 --> 00:07:47,586 لأنّه لم يكن ينتبه لما كانت زوجته تفعله. 173 00:07:47,586 --> 00:07:49,557 لأنّها كانت بريئة، الكلّ يعلم ذلك. 174 00:07:49,557 --> 00:07:50,887 الرّجل كان فقط يشكّ 175 00:07:50,887 --> 00:07:52,885 دون أيّ سبب واضح. 176 00:07:52,885 --> 00:07:55,694 لكنه كان يبحث عن الأمور التي تقوم بها زوجته 177 00:07:55,694 --> 00:07:58,194 لا إراديّا، سلوكات لا واعية. 178 00:07:58,194 --> 00:08:00,511 إنّها تبتسم بصفة مبالغ فيها هنا، 179 00:08:00,511 --> 00:08:03,851 أم أنّها مرّت بجانب رجل آخر هناك؟ 180 00:08:03,851 --> 00:08:06,527 فرويد يقول أنّ الرّجل كان قد تحوّل إلى 181 00:08:06,527 --> 00:08:10,875 خادم للاوعي زوجته. 182 00:08:10,875 --> 00:08:12,696 القصة ممتعة في هذه النقطة. 183 00:08:12,696 --> 00:08:15,504 القصّة جيّدة في وصف كيف أنّ الغيرة 184 00:08:15,504 --> 00:08:19,488 تدفعنا للنّظر بشدّة لكن دون دقّة. 185 00:08:19,488 --> 00:08:23,563 في الواقع، كلّما كنّا أكثر غيرة، 186 00:08:23,563 --> 00:08:26,082 كلّما أصبحنا نعيش أكثر في الخيال. 187 00:08:26,082 --> 00:08:29,002 و أظنّ أنّ ذلك هو ما يجعل الغيرة 188 00:08:29,002 --> 00:08:31,818 تحسنا على القيام بأفعال عدوانيّة 189 00:08:31,818 --> 00:08:33,818 أو غير قانونيّة. 190 00:08:33,818 --> 00:08:36,100 الغيرة تدفعنا للتّصرف بطرق 191 00:08:36,100 --> 00:08:38,458 إبداعيّة. 192 00:08:38,458 --> 00:08:40,901 الآن أنا أفكّر بنفسي عندما كنت في الثّامنة، 193 00:08:40,901 --> 00:08:44,920 لكن أيضا بالقصة التي سمعتها في الأخبار. 194 00:08:44,920 --> 00:08:48,828 امرأة تبلغ الـ 52 من ولاية ميشيغان 195 00:08:48,828 --> 00:08:51,697 قامت بانشاء حساب فايسبوك مزيّف 196 00:08:51,697 --> 00:08:55,420 و أرسلت من خلاله رسائل سيئة و دنيئة 197 00:08:55,420 --> 00:08:59,645 لنفسها لمدة سنة. 198 00:08:59,645 --> 00:09:01,770 مدّة سنة، سنة كاملة. 199 00:09:01,770 --> 00:09:03,645 و كانت تحاول الإيقاع 200 00:09:03,645 --> 00:09:05,802 بحبيبة صديقها السّابق، 201 00:09:05,802 --> 00:09:09,443 و عليّ أن أعترف أنّني منذ سمعت بهذا، 202 00:09:09,443 --> 00:09:11,355 أثار الأمر اعجابي. 203 00:09:11,355 --> 00:09:12,932 (ضحك) 204 00:09:12,932 --> 00:09:15,347 ما أقصده هو، لنكن واقعيّين، 205 00:09:15,347 --> 00:09:19,664 وإن لم يكن في محله, يال الابداع الهائل، أليس كذلك؟ 206 00:09:19,664 --> 00:09:22,084 هذا أمر مأخوذ من رواية، 207 00:09:22,084 --> 00:09:25,485 من إحدى روايات باتريشيا هايسميث. 208 00:09:25,485 --> 00:09:27,655 هايسميث هي من إحدى الروائيات المفضلين لي. 209 00:09:27,655 --> 00:09:31,707 إنّها امرأة في غاية الذّكاء و الغرابة أيضا من الروائيات الأمريكيات. 210 00:09:31,707 --> 00:09:33,900 وهي مؤلفة ’غرباء على القطار’ 211 00:09:33,900 --> 00:09:35,948 و ’السيد ريبلي المبدع’، 212 00:09:35,948 --> 00:09:39,013 وهي كتب تتحدّث كلّها عن الغيرة، 213 00:09:39,013 --> 00:09:40,888 تلخبط عقولنا، 214 00:09:40,888 --> 00:09:43,882 و ما إن نحبس داخل قوقعتها، في ممكلة الغيرة، 215 00:09:43,882 --> 00:09:49,145 فإنّ الغشاء الذي يفصل بين ما يحصل الآن و ما قد يحصل في المستقبل 216 00:09:49,145 --> 00:09:52,038 قد يتمزّق في وهلة. 217 00:09:52,038 --> 00:09:54,486 لنأخذ مثال طوم ريبلي، أشهر شخصياتها. 218 00:09:54,486 --> 00:09:57,325 يتحوّل طوم من رغبتك أو 219 00:09:57,325 --> 00:09:59,501 رغبة ما تمتلكه 220 00:09:59,501 --> 00:10:02,929 إلى انتحال شخصيتك و امتلاك ما كنت تملكه، 221 00:10:02,929 --> 00:10:04,462 و بينما أنت أسفل ألواح الأرضية، 222 00:10:04,462 --> 00:10:05,825 فهو يجيب عندما ينادى اسمك، 223 00:10:05,825 --> 00:10:07,517 يرتدي خواتمك، 224 00:10:07,517 --> 00:10:09,518 يفرغ حسابك البنكيّ. 225 00:10:09,518 --> 00:10:11,493 هذا إحدى الأساليب. 226 00:10:11,493 --> 00:10:15,157 لكن ماذا نفعل؟ لا يمكننا القيام بنفس ما يقوم به طوم ريبلي. 227 00:10:15,157 --> 00:10:17,194 لا أستطيع أن أعطي كل البشر علامات رسوب، 228 00:10:17,194 --> 00:10:20,041 رغم أنّني أرغب في ذلك. 229 00:10:20,041 --> 00:10:23,539 الأمر يثير الشفقة، لأنّنا نعيش في أوقات الغيرة. 230 00:10:23,539 --> 00:10:26,446 نحن نعيش في عصر الغيرة. 231 00:10:26,446 --> 00:10:28,459 كلّنا مواطنون صالحون للشبكات الاجتماعية، 232 00:10:28,459 --> 00:10:31,843 حيث العملة المتداولة هي الغيرة، أليس كذلك؟ 233 00:10:31,843 --> 00:10:36,312 هل ترينا الرواية طريق التخلص منها؟ لا أظنّ ذلك. 234 00:10:36,312 --> 00:10:39,753 لذلك دعونا نقوم بما تقوم به الشخصيات كلّما تجد نفسها غير متأكّدة، 235 00:10:39,753 --> 00:10:41,929 عندما يواجههم لغز ما. 236 00:10:41,929 --> 00:10:44,203 لنذهب إلى 221ب شارع بايكر 237 00:10:44,203 --> 00:10:46,221 و نسأل شيرلوك هولمز. 238 00:10:46,221 --> 00:10:48,690 عندما يفكّر النّاس في هولمز، 239 00:10:48,690 --> 00:10:51,799 يفكّرون في عدّوه، البروفيسور موريارتي، 240 00:10:51,799 --> 00:10:54,006 العقل المدبّر الاجراميّ. 241 00:10:54,006 --> 00:10:56,469 لكنني كنت أفضّل المفتّش ليستراد، 242 00:10:56,469 --> 00:10:59,374 وهو الشخص ذو الوجه الشبيه بوجه الفأر 243 00:10:59,374 --> 00:11:01,104 والذي هو دائما بحاجة يائسة لهولمز، 244 00:11:01,104 --> 00:11:03,408 يحتاج إلى عبقريّته، لكنه يمقته. 245 00:11:03,408 --> 00:11:05,265 يبدو الأمر مألوفا جدّا لي. 246 00:11:05,265 --> 00:11:09,282 يحتاج ليستراد مساعدة هولمز لكنه يمقته، 247 00:11:09,282 --> 00:11:12,593 و يغتاظ منه بمرارة طيلة التّحقيق في اللغز. 248 00:11:12,593 --> 00:11:16,470 لكن ما إن يعملا معا، شيء ما يتغيّر، 249 00:11:16,470 --> 00:11:19,513 و أخيرا و في ’مغامرة النّبوليين الستّة’، 250 00:11:19,513 --> 00:11:23,443 بعد أنّ وجد هولمز الحلّ و أدهش به الجميع، 251 00:11:23,443 --> 00:11:26,884 التفت ليستراد إليه قائلا: 252 00:11:26,884 --> 00:11:31,165 "نحن لسنا غيورين منك، سيد هولمز. 253 00:11:31,165 --> 00:11:34,524 نحن فخورون بك." 254 00:11:34,524 --> 00:11:36,853 و قال أنّ ما من أحد من الشرطة البريطانيّة 255 00:11:36,853 --> 00:11:39,852 لا يريد مصافحة شيرلوك هولمز. 256 00:11:39,852 --> 00:11:42,237 إنّها إحدى المرات النّادرة التي نرى فيها هولمز يتأثّر عاطفيّا، 257 00:11:42,237 --> 00:11:44,332 وجدت أنّ الأمر كان عاطفيّا بالفعل، 258 00:11:44,332 --> 00:11:47,396 ذلك الموقف الصّغير، لكنه غامض أيضا، أليس كذلك؟ 259 00:11:47,396 --> 00:11:49,309 يبدو كأنّه يتعامل مع الغيرة 260 00:11:49,309 --> 00:11:52,047 كأّنّه مسألة هندسيّة و ليست عاطفيّة. 261 00:11:52,047 --> 00:11:54,913 في البداية كان هولمز في الجهة المقابلة لـ ليستراد، 262 00:11:54,913 --> 00:11:56,836 ثمّ أصبحا معا في نفس الجانب. 263 00:11:56,836 --> 00:11:58,983 و أصبح ليستراد فجأة يسمح 264 00:11:58,983 --> 00:12:01,950 لنفسه بالاعجاب بمن كان يمقته. 265 00:12:01,950 --> 00:12:03,879 لكن هل يمكن أن يكون الأمر بهذه السّهولة؟ 266 00:12:03,879 --> 00:12:06,310 ماذا لو كانت الغيرة بالفعل مسألة هندسيّة، 267 00:12:06,310 --> 00:12:10,020 فقط مشكلة في الجانب الذي نضع أنفسنا فيه، 268 00:12:10,020 --> 00:12:12,350 في علاقتنا بالغير؟ 269 00:12:12,350 --> 00:12:14,221 ربّما حينها لن نحتاج لكره 270 00:12:14,221 --> 00:12:16,282 نجاح شخص ما. 271 00:12:16,282 --> 00:12:19,656 يمكن أن نقف معهم في نفس الخطّ. 272 00:12:19,656 --> 00:12:21,912 لكنني أحبّ الأحداث المفاجئة. 273 00:12:21,912 --> 00:12:24,248 إذن و في انتظار حصول ذلك 274 00:12:24,248 --> 00:12:26,944 دعونا نتذكّر أنّ لدينا في الخيال عزاءً. 275 00:12:26,944 --> 00:12:29,395 الخيال وحده يبسّط الغيرة. 276 00:12:29,395 --> 00:12:31,478 الخيال وحده يروّض الغيرة، 277 00:12:31,478 --> 00:12:33,356 يدعوها للجلوس إلى الطّاولة. 278 00:12:33,356 --> 00:12:35,229 و انظروا للأشخاص الذين جمعتهم: 279 00:12:35,229 --> 00:12:39,065 ليستراد اللّطيف، طوم ريبلي المرعب، 280 00:12:39,065 --> 00:12:43,534 سوان المجنون و مارسال بروست نفسه. 281 00:12:43,534 --> 00:12:45,948 إنّها مجموعة ممتازة من الأشخاص. 282 00:12:45,948 --> 00:12:47,368 شكرا لكم. 283 00:12:47,368 --> 00:12:52,184 (تصفيق)