من أنت؟ حقًا. أدركت عندما كنت في التاسعة، أنني كنت فاشلة. كنت أقف أسفل التّلة وصوت يدعوني باستمرار كي أدفع هذه الصخرة العملاقة نحو التّلّة. كنت ملأى بالخوف، لكنني بذلت جهدي. كانت الصخرة كبيرة جدًا لدرجة أنها تخفي ما وراءها. لكنني كنت أشعر بثقلها وهي تتدحرج نحوي. شعرت بألم في العضلات، ثم... سمعت انفجارًا... ورأيت معصميّ ينحنيان إلى الخلف بينما أنا أغيب عن الوعي من شدّة الألم، واصل الصّوت من أعلى التلة النداء مرارًا وتكرارًا، ثم استفقت. بعدها بأسبوع، شاهدت الحلم نفسه. الصوت من أعلى التّلّة يحثّني على مواصلة الدفع، يشجعني على المحاولة أكثر فأكثر، على مواصلة الدفع بعكس الضغط الذي يحطمني، ومن ثم، تحطمت بعنف شديد عندما كسرتني المقاومة في النهاية. ما زلت أذكر بوضوح كل لحظة من هذه الكوابيس. لكن خلف هذا الصّوت، وهذا الألم، وهذه اللحظات كان يختبئ سرّ، التفصيل الأكثر أهميّةً كان رسالة مخبأة كنت مرتعبة من سماعها، وصغيرة جدًا على استيعابها. لكن ذلك السر، تلك الرسالة المخبأة هي السبب الرئيسي لوجودي هنا اليوم. استغرقت ما يزيد على ثلاثين عامًا لأفهمها. لكن بمجرد أن فهمتها، غيّرت تمامًا ما كنت عليه وما يمكن أن أصبحه. ذلك الدرس المُلقّن لفتاة صغيرة خائفة لديه القدرة على أن يكون مهمًا وتمكينيًا وتغييريًا للغاية. حيث لا يسعني إلّا أن أشاركه معكم جميعًا اليوم. ولا أتمنى سوى أن ينير حياتكم بقد ما أنار حياتي. (تنهيدة) إذًا، عندما كنت في العاشرة من عمري تركت مدينتي الكبيرة هونغ كونغ كما تركت صخور وتلال كوابيسي خلفي لكي ألتقط النجوم. كنت أتخيّل أني على متن مركبة فضائية، وكنت أركب الطائرة لأوّل مرة على الإطلاق. كان الحدث الأكثر حماسًا في حياتي. كنت أترك كل ما أعرفه في المجهول التّام، عالم غريب مليء بحياة وحضارة جديدتين، للذهاب بشجاعة، إلى حيث لم تذهب أيبل من قبل، إلى أرض توليدو-أوهايو في أمريكا. وأثناء مغادرتي بمركبتي الفضائية المتخَيلة، حدّقت بكل شيء بعيون واسعة كالأطباق، وكل شيء كان رائعًا. لقد كانت الأرض واسعة جدًا، ووجبات الطعام كبيرة جدًا، أما النّاس! حسنًا، لقد كان النّاس طوالًا جدًا. بعد أسابيع قليلة، قيل لي أن وقت المرح قد انتهى، وحان وقت الذهاب إلى المدرسة. وحينها أدركت أنني كنت أنا الكائن الفضائي الغريب. بدوت مختلفة عن الجميع. معظم الأطفال كانت لهم بشرة أفتح من بشرتي. وبعضهم حظي بشعر أشقر جميل وعيون زرقاء. ومن ثم كنت أنا! شعرت بأنّي أغبى من أن أفهم ما يقوله أيّ منهم. وحينما كان يعلمني صديق جديد كلمة أو كلمتين، كي أقولها للمعلم، كان الجميع يضحكون! يذكرني ذلك بالأضحوكة التي كنتها. (تنهيدة) إلا أن الوقت مضى، وتلك الفتاة الصغيرة تعلمت كلمة أو اثنتين، وأكثر قليلًا وغيرت المدرسة مرات عدة. رغم ذلك، كان الأطفال يسخرون من عينيّ الصينيتين الصغيرتين، أو يضحكون على لكنتي معتبرين أن ضعفي في الإنجليزية كان علامة واضحة على افتقاري للذكاء. حاولت أكثر فأكثر، مرارًا وتكرارًا، حاولت تحسين، عذرًا... حاولت تحسين لغتي الإنجليزية. حاولت أن ألبس كالجميع. حاولت أن أتحدث كالجميع. لكي أشعر أنني مناسبة، لأشعر بالاتصال وبالجدارة، ولكي أسكت ذلك الصوت الذي يقول في رأسي: "أتعرفين يا أيبل، لو تستطعين الوصول إلى مستواهم، حينها فقط، ربما ستكونين سعيدة يومًا ما." (شهيق) عذرًا! هذه الأفكار أتت من محاولة التكيّف والبحث في الخارج، ومن مقارنة نفسك مع كل شخص وكل شيء من حولك. ولن تستغرق هذه المقارنات وقتًا طويلًا حتى تتحول إلى هضبة كبيرة. وفي النهاية، ستتطور هذه الهضبة لتصبح "الأنا" خاصتنا، شعورنا بذاتنا. وبالطبع، هذه المقارنات اللحظية التي تبدو بريئة، حينما نبدأ بتصنيفها، عندما يقال لنا أن الشعر الأشقر أحلى من الشعر الأسود، وأن البشرة البيضاء أحسن من البشرة الداكنة، أنك لست بذكاء أصدقائك ولا بموهبة قريبك، فآجلًا أم عاجلًا، وطأة ما لسنا عليه تسحق كلّ ما هو جيد من سعادة وجمال نمتلكه. بالطبع، كلما كبرنا، كلما ازدادت القوة (شهيق) آسفة. النشوء في عائلة آسيوية مهاجرة أو في أية عائلة مهاجرة كانت، عادة ما تعني الطفولة تحمل مسؤوليات أكثر بكثير مما يتحمله الأولاد الآخرون في الجوار. وكنت مدفوعة إلى التفوق في كل واحدة منها. أظهرت نفسي على أني الأكثر اجتهادًا إنْ في محاولة الحصول على أعلى الدرجات أو في أن لا أكلّ من العمل في مطعم أهلي لأنني طالما اعتقدت أن المركز الثاني، هو الفاشل الأوّل، ولم أكن أنوي أن أكون فاشلة. مع الأسف هذه العقلية لم تتغير كثيرًا بعد أن تزوجت. أدفع نفسي أكثر فأكثر، لأكون الطالبة المثالية والابنة المثالية، وسرعان ما استُبدل ذلك بأن أكون الزوجة ثم الأم المثالية، أو على الأقل، أحاول أن أكون كذلك. بين تغيير الحفاظات وغسل الأواني والمئات من الجدالات التافهة التي تحدث بين أي ثنائي، صار كل ذلك كثيرًا عليّ، وشعرت أن وطأة كلّ شيء باتت تسحقني. أصبحت كثيرة الشرود، وسريعة الغضب إلى أن اقترح زوجي: "أتعرفين يا أيبل؟ عليك أن تقابلي معالجًا نفسيًا، ليخبرك بما يحصل معك." الجانب الإيجابي الآن هو أنّ المعالج النفسي كان بصيرًا، لكن الجانب السلبي، هو في كونه باهظ الثمن. لذا اعتقدت أني شديدة الذكاء لدرجة أني وجدت الحلّ. سوف أجتهد أكثر في العمل كي أجني مزيدًا من المال، سأعمل أكثر حتى أتمكن من تحمل كلفة مقابلته، وعندها سيخبرني المعالج بالمشكلة التي أعاني منها. صحيح؟ (ضحك) باختصار، الزيارات إلى المعالج النفسي استبدلت بالذهاب إلى مركز اليوغا. وللحظات قليلة، لم أكن أحاول إقناع أستاذي ببراعتي في وضعية ال"داونورد دوغ". (ضحك) لم أكن أقارن وضعية اللوتس خاصّتي بوضعية الشخص الذي إلى جانبي. لم أكن أنتظر عبارات الاستحسان، تربيتة على الظهر، أو عبارات الثناء. لم أكن أحاول أن أكون شيئًا أو شخصًا آخر، كنت فقط أحاول أن "أكون"، المعذرة، لم أكن حتى أحاول أن أكون... بل كنت "أكون" فقط! أن "أكون" فقط، كان كافيًا. ومن اليوغا انبثق التأمل، ومن التأمل، جاءت قراءة الكتب مثل كتاب "قوة الآن" لايكهارت تول، وكتب بوذية أخرى. وكلها علمتني درسًا أساسيًا: توقف عن المحاربة. ذاتك لا تتحدد بما تحارب لأجله أو ما تحاربه. كلما حددت نفسك بمصادر خارجية للثناء، أو بأهداف خارجية، كلما شعرت بإجهاد أكبر، سنة تلو الأخرى، وأنت تحاول الاستمرار بتحمّل هذا العبء. وآجلًا أم عاجلًا، سيسحقك كل هذا الثقل. والصراع الذي أقحمت نفسك فيه سوف يرتدّ عليك بالضغط والألم والمعاناة. ذاتك لا تتحدد بحجم التلّة الّتي تحاول تسلقها. إذا فشلت فإنّ كلّ هذا الضغط سوف يرتدّ عليك بشدة أكثر. ولكن، حتى لو نجحت، فالثقل الذي حاولت جاهدًا دفعه إلى القمة سوف يتدحرج من الجانب الآخر، وسوف تجد نفسك تبحث عن الصخرة نفسها، محاولًا إيصالها إلى التلّة نفسها، وسوف تقنع نفسك بأنه: "أتعرف؟ عندما أصبح الرئيس التنفيذي، وأجني هذا القدر من المال عندما أحصل على هذا اللقب، عندما أحصل على كذا وكذا..." لن ينتهي ذلك أبدًا. ذاتك لا تتحدد بما يتوقعه الآخرون منك أو بما يطلبونه منك أو بما يقولون لك أن تكون، أو تفعل. لأنه، يمكنني أن أخبرك وعن تجربة شخصيّة أنّ الضغط، عندما يصبح كثيرًا، لن تعود قادرًا على سماع أي شيء. والأصوات التي تقضي حياتك محاولًا إرضاءها قلّما تأتي من الأشخاص الذين سيتواجدون لمساندتك في ألمك، عندما يصبح عبؤك ثقيلًا لا يحتمل. "ذاتك لا تتحدد بما تحارب من أجله، أو بما تحاربه." "ذاتك لا تتحدد بحجم التلّة التي تحاول تسلقها. ذاتك لا تتحدد بما يتوقعه منك الآخرون أو بما يطلبون منك أن تكون عليه. ذاتك لا تتحدد... ذاتك لا تتحدد. أنت مجرد "أنا"، أنت مجرد "أنت"، وهذا كافٍ. أنت كافٍ. استغرقني الأمر ثلاثين عامًا حتى أتعلم الدروس المهمة التي كانت تحاول أحلامي تلقيني إياها طوال سنوات. وإذا كان لهذا الدرس أن يساعد أيًا منكم اليوم، عندها فالأمر كان يستحق الانتظار بالنسبة إليّ. تذكر، أنت لست شيئًا ما، أنت أحد ما. أنت روح وجوهر وتحفة فنية فريدة لن يُعاد إنتاجها. أنت كافٍ. وفي النهاية، أريد أن أشارككم اقتباسًا للفيلسوف الصيني الكبير لاو تسو: "كن سعيدًا بما تملك، ابتهج بالأمور كما هي، عندما تدرك أنه لا يوجد شيء ناقص، فالعالم كلّه ينتمي إليك." شكرًا لكم. (تصفيق)