كيف تشكّل شخصيتك معتقداتك السياسية

توضح عالمة النفس الاجتماعي داناجال يونغ الرابط بين علم النفس والسياسة، وتظهر كيف أن أنواع الشخصية تؤثر إلى حد كبير في الأشخاص الذين يعطون الأولوية للانفتاح والمرونة (الليبراليين) وعلى أولئك الذين يفضلون التنظيم والتأكد (المحافظين) . تعرّف على سبب أهمية سمات المجموعتين لكل مجتمع، وكيف أن اختلافاتنا يتم استغلالها بشكل خطير للتفريق بيننا. ماذا لو سارت الأمور بغير تلك الطريق؟

أنا متخصصة بعلم النفس السياسي والاجتماعي.

أدرسُ كيف أن الناس يفهمون العالم

وما الذي يعنيه هذا للمجتمع وللديمقراطية...

وهو -كما يظهر- كثير جداً.

بعضهم يرى العالم مناسباً وآمناً،

وهذا ما يجعلهم على ما يرام مع شكوكهم

وأن يأخذوا وقتاً للاستكشاف واللعب.

آخرون يدركون التهديدات في بيئتهم،

لذا فإنهم يعطون الأولوية للنظام
والقدرة على التنبؤ

على الانفتاح والتجريب.

في بحثي الأكاديمي،

أدرسُ كيف أن هذين المذهبين
يشكلان طريقة تفكيرنا وشعورنا

بكل شيء من الفن إلى السياسة.

وأستكشف أيضاً كيف أن النخب السياسية

ووسائل الإعلام الحزبية تستخدم
هذه الاختلافات ذاتها

لتوليد الكراهية والخوف

وكيف تستغل اقتصاديات نظامنا الإعلامي
هذه الانقسامات ذاتها.

لكن بعد دراسة هذا،

لم أجد شعوراً بأنه محكوم علينا بالانقسام

بل إنه متروك لنا
لرؤية كلتا المجموعتين من السمات

على أنها ضرورية أو حتى قيّمة.

خذ مثالاً لرجلين مؤثرين جداً في حياتي.

الأول: زوجي الأخير، مايك.

كان فناناً يرى العالم مناسباً وآمناً.

رحّب بالغموض ولعب في حياته.

في الحقيقة، التقينا خلال
عرض كوميديا الارتجالية

حيث علّم المرتجلين الاستماع والانفتاح

وكيف يكونون في حالة ارتياح من خلال
عدم معرفتهم بما سيأتي لاحقاً.

بعد زواجنا وحصولنا على ولدنا،

تم تشخيص مايك بورم في المخ.

وخلال شهور من العلاج في المستشفى
والعمليات الجراحية،

اتّبعت طريقة مايك،

محاولةً أن أتدرب على الانفتاح،

محاولة أن أكون على ما يرام لعدم معرفتي
بما سيجري لاحقاً.

لقد كان تسامح مايك مع الغموض

هو ما جعلني على قيد الحياة
في تلك الأشهر من الشك.

وهذا ساعدني لاستكشاف طرق جديدة
لإعادة بناء حياتي بعد وفاته.

بعد حوالي سنة ونصف بعد وفاة مايك،

التقيت بزوجي الحالي، بي جيه.

بي جيه هو مدعي جنائي

يرى العالم أنه قد يكون جيداً

بشرط إدارة التهديدات بشكل جيد.

كما أنه شخص يقدّر النظام
والقدرة على التنبؤ

في روتينه اليومي،

في طعامه الذي يأكله،

في اختياره لخزانة ملابسه.

وبي جيه لديه تفكير شرير،

لكنه جاد من الناحية الأخلاقية

ولديه إحساس قوي بالواجب والهدف.

وهو يقدر التقاليد والولاء والأسرة،

وهو ما جعله في سن 28

لم يتردد في زواج أرملة،

وتبنّي ولدها الصغير

ورعايته كأبنه.

حاجة بي جيه إلى اليقين والانغلاق

هي ما جلبت الاستقرار في حياتنا.

شاركتُ قصّتَي مايك وبي جيه

ليس فقط لأنهما شخصيتان،

بل لأنهما توضحان شيئين وجدتها في بحثي.

الأول: أن صفاتنا النفسية
تشكل كيفية تفاعلنا مع العالم،

والثاني:

أن كلا المذهبين يجعلان حياتنا كلها ممكنة.

لكن للأسف، تسعى الحوافز الاقتصادية
والسياسية لبيئتنا الإعلامية

إلى استغلال هذه الفوارق

لإثارة غضبنا،

ولفت انتباهنا،

للحصول على قرقعات

وتحويلنا ضد بعضنا البعض.

وهي طريقة تنجح.

تنجح جزئياً لأن هذه المجموعات
من السمات نفسها

مرتبطة بالمعتقدات
السياسية والثقافية الأساسية.

لسنوات، درس علماء النفس السياسي

كيف تشكل سماتنا النفسية
معتقداتنا السياسية.

قمنا بإجراء تجارب لفهم

كيف تشكل نفسياتنا وسياساتنا
طريقة استجابتنا للمحفزات غير السياسية.

وأظهر البحث

أن الناس الأقل اهتماماً بالتهديدات،

المتسامحين مع الغموض،

هؤلاء يميلون لأن يكونوا أكثر تحرراً
ثقافياً واجتماعياً

في أمور مثل الهجرة أو الجريمة
أو الميول الجنسي.

ولأنهم متسامحون مع الغموض،

هم كذلك يميلون إلى التوافق
مع الفروق الدقيقة

ويستمتعون بالتفكير من أجل التفكير.

ما يساعد على تفسير ذلك

وجود تفضيلات جمالية على اليسار واليمين،

مع الليبرالين أكثرمن المحافظين

لتقدير أمور مثل الفن التجريدي

أو حتى القصص ذوات النهايات الغامضة.

خلال تجربتي،

وجدتُ أيضاً أن هذه الفوارق تساعد في تفسير

لماذا من المرجح أن يتم
فهم السخرية السياسية وتقديرها

لدى الليبراليين أكثر من المحافظين.

في المقابل،

هؤلاء الأشخاص الذين يترقبون التهديدات

الذين يفضلون التأكد والانغلاق،

هؤلاء يميلون إلى أن يكونوا ساستنا
المحافظين ثقافياً واجتماعياً.

لأنهم في حالة تأهُب،

يتخذون أيضاً قرارات بسرعة وفعالية،

يقودهم الحدس والعاطفة.

ووجدنا أيضاً أن هذه السمات تساعد في تفسير

لماذا يستمتع المحافظون
ببرامج حوار الرأي السياسي

التي تحدد بوضوح التهديدات والأعداء.

لكن المهم

هو أن هذه النزعات ليست على إطلاقها؛

فهي ليست ثابتة.

يوجد ليبراليون يترقبون التهديدات

كما أن ثمة محافظين متسامحين مع الغموض.

في الحقيقة، معتقدات بي جيه السياسية

لا تختلف جذرياً عن تلك
التي كان يحملها مايك.

الرابط بين علم النفس والسياسية
يتوقف على سياق:

مع من نكون، وما الذي يجري حولنا.

المشكلة الآن،

في السياق المهيمن،

سياقنا السياسي والإعلامي،

الذي يدفع إلى أن تكون
هذه الاختلافات مطلقة،

ليتم تعزيزها

وحتى تسليحها.

لأسباب متعلقة بالقوة والربح،

بعض الساسة والإعلاميين يريدوننا
أن نؤمن

أن الناس الذين ينظرون إلى العالم
بشكل مختلف عنا

-مثل مايك أو بي جيه-

أنهم أنفسهم خطِرون.

ومنصات التواصل الاجتماعي تستخدم
الخوارزميات وآليات الاستهداف الدقيق

لتوصيل رسائل الانقسام

في جمالية الرسائل المفضلة لدينا.

رسائل متعلقة بالسياسة والثقافة والعرق.

ونلمس الآثار المدمرة لهذه الرسائل كل يوم.

الأمريكيون الغاضبون والخائفون
من الجانب الآخر.

اتهامات للجانب الآخر بتدمير أمريكا.

لكن توقفوا وفكروا للحظة.

ماذا سيحدث إذا لم يتم تسليح
هذه الاختلافات؟

إن الميول الليبرالية
نحو الانفتاح والمرونة

هي التي تسمح لنا بالتعامل مع عدم اليقين

والذي يمكننا من استكشاف مسارات جديدة
نحو الابتكار والإبداع؛

الاكتشاف العلمي.

فكروا بأشياء مثل السفر إلى الفضاء
أو معالجة الأوبئة

أو الفن الذي يصور أو يعيد تصوير عالم أفضل.

وتلك النزعات المحافظة نحو اليقظة والأمن

والتقاليد.

هذه هي التي تدفعنا

لفعل ما يجب فعله

لحمايتنا وأستقرارنا.

فكروا بالأمان الذي تحققه قوة جيشنا

أو الأمان الناتج عن نظامنا البنكي.

أو فكروا بالأستقرار

الذي تقدمه مؤسساتنا الديمقراطية
مثل هيئة المحلفين،

أو التقاليد الثقافية
مثل الألعاب النارية في الرابع من يوليو.

ماذا لو كان التهديد الحقيقي
للمجتمع والديمقراطية

لا يشكله الطرف الآخر؟

ماذا لو كان الخطر الحقيقي
تشكله النخب السياسية والإعلامية

الذين يحاولون أن يجعلونا نفكر

أننا سنكون أفضل بدون الطرف الآخر

والذين يستخدمون هذه الفوارق
لمصالحهم الشخصية

والمالية والسياسية.

مايك وبي جيه ارتبطوا بالعالم بشكل مختلف،

لكن أساليبهم المتميزة تستمر
في إثراء حياتي كل يوم.

بدلاً من سياقنا السياسي والإعلامي

الذي يجعل من الجانب الآخر عدواً

ودفعنا للاعتقاد بأن هذا صحيح،

ماذا لو أننا اخترنا إنشاء سياق؟

أناس حقيقيون يتواصلون
مع أناس حقيقيين آخرين،

كلا المذهبين مقدران ما هما عليه:

الهدايا الضرورية التي تساعدنا جميعاً
على البقاء والازدهار معاً.

شكراً لكم.