ما تعلمته عن الحرية بعد الفِرار من كوريا الشمالية

تقول ناشطة حقوق الإنسان يونمي بارك، والتي هربت من كوريا وهي في عمر 10 سنين: "إن كوريا الشمالية لا يمكن تصوّرها." تشاركنا بارك قصة مرعبة عن طفولتها، تعكس هشاشة مفهوم الحرية وتعرض كيف يمكن تحقيق التغيير حتى في أظلم بقعة في العالم.

ولدتُ في العام 1993،
في الجزء الشمالي من كوريا الشمالية،

في مدينة تسمى هايسان،

التي تقع على الحدود مع الصين.

لقد كان لديّ أبوانِ ودودانِ

وأخت أكبر مني.

وقبل أن أبلغ العشَرة الأعوام،

اقـتِـيدَ والدي إلى معسكر عملٍ

وذلك لتورطه في تجارة غير مشروعة.

و"التجارة غير المشروعة" تعني...

أنه كان يبيع الأحذية والسكر والأرز،
ولاحقاً النحاس

ليوفّر لنا الطعام.

في 2017، قررتُ أنا وأختي اللوذَ بالفِرار.

كان عمرها 16عاماً،

وأنا 13 عاماً.

أودُ أن أوضح لكم ماذا تعني كلمة "الفِرار"

في المصطلح الكوري الشمالي.

جميعنا كنا نتضور جوعاً،

وفي كوريا الشمالية، الجوع يعني الموت.

لذلك كان الـفِـرار خيارنا الوحيد.

لم أكن أدري حتى مفهوم الفرار،

لكن كان يمكنني رؤية الأضواء
من الصين ليلاً،

وتساءلتُ لو أني ذهبتُ لتلك الأنوار،

ربما أعثر على طبق أرز.

لم يكن لدينا خطة كبيرة أو خرائط.

ولم نكن على علم بما سيحدث مستقبلاً.

تخيل لو أن غرفتك قد شبّ فيها اللهب.

ما الذي ستفعله؟

أتبقى في الداخل وتحترق،

أم تقفز من خلال النافذة

وتشاهد ما يحدث؟

وهذا ما فعلناه أنا وأختي.

قـفزنا خارج المنزل

بدلاً من المكوث في الحريق.

كوريا الشمالية بلد يعجز الخيال عن تصوره.

أشعر بالحرج والمَقـت

حين يسألني الناس
كيف تبدو الحياة هناك.

وبصدق،

سأخبركم:

لا يمكنكم تصور ذلك.

كل لغات العالم لا يمكنها وصف ذلك،

لأن ذلك عالم مختلف كلياً،

فكما أنه لا يمكنكم تخيّل
العيش على المريخ في الوقت الحالي.

على سبيل المثال،
كلمة "حب" لها معنى واحد فقط:

هو تبجيل القائد العزيز.

مفهوم الحب الرومانسي مفقودٌ
في كوريا الشمالية.

وإذا لم تعرف الكلمات،

يعني أنه ليس بوسعك إدراك المعنى،

وبالتالي، إن عدم إدراك
ذلك المعنى يهدم احتمال وجوده.

دعوني أقدم لكم مثالاً آخر.

وبما أني ترعرعتُ في كوريا الشمالية،

لقد كنا نعتقد أن القائد العزيز هو الإله

الذي يمكنه حتى معرفة أفكارك.

حتى أنني كنتُ أخشى التفكير
في كوريا الشمالية.

قِـيل لنا أن القائد العزيز يجوع من أجلنا،

وأنه يعمل بلا كللٍ أو مللٍ من أجلنا،

لقد كان قلبي ينـفطر حباً له.

عندما لذتُ بالفرار إلى كوريا الجنوبية،

أخبرني الناس أن القائد العزيز
هو مجرد ديكتاتور،

يمتلك السيارات،

ويمتلك العديد من المنتجعات،

ويرتع في حياة البذخ والترف.

ومن ثم، رُحتُ أحـدّقُ في صورةٍ له،

وللمرة الأولى أدركُ

أنه الشخص الأكثر بدانة في الصورة.

(ضحك)

وقد صدمني ذلك.

وأخيراً، أدركتُ أنه لم يكن يجوع.

ولم يكن بمقدوري أن أرى ذلك من قبل،

حتى أخبرني شخص ما أن القائد العزيز
هو مجرد شخص بَديـن.

(ضحك)

حقاً، كان ينبغي على أحدهم
أن يشرح لي كيف أنه بَديـن.

إذا لم تمارس التفكير النقدي،

فإنك لن تر إلا ما اعتدتَ عليه.

والسؤال الأهم الذي يلاحقني به الناسُ

هو "لماذا لم تقم ثورة في كوريا الشمالية؟

وهل نحن أغبياء؟

لماذا لم تقم ثورة طيلة 70 عاماً
جراء هذا الطغيان؟"

فأجيبهم بالتالي:

ما لم تدرك بأنك عبدٌ،

وما لم تدرك بأنك معزول عن العالم أو مظلوم،

فكيف لك أن تقاتل لتصبح حراً؟

أعني، إذا كنت تدرك أنك معزول عن العالم،

هذا يعني أنك ليس معزولاً.

ولكن جهلك بذلك هو المعنى الحقيقي للعزلة،

وهذا سبب أنني لم أدرك أبداً

أنني كنت معزولة
عندما كنت في كوريا الشمالية.

كنت أعتقد أنني حرفياً أعيش في مركز الكون.

إذن هذه فكرتي التي تستحق النشر:

الكثيرون يعتقدون

أن الإنسان بطبيعته يفرق بين الخطأ والصواب،

ويفرّق بين العدل والظلم،

وبين ما نستحق وما لا نستحق.

أخبرهم عن: BS.

(ضحك)

(تصفيق)

كل شيء،

كل شيء ينبغي أن نُربّى عليه،

بما في ذلك التراحم.

لو أني رأيتُ شخصاً الآن يحتضر في الشارع،

سأفعل كل بما بوسعي لإنقاذ ذلك الشخص.

لكن عندما كنت في كوريا الشمالية،

شاهدتُ أشخاصاً يحتضرون ويموتون في الشارع،

لكني لم أشعر تجاههم بثمة شيء.

ولا يعزى ذلك إلى أنني مريضة نفسية،

ولكن لأنني لم أتلقَ أبداً مفهوم التراحم.

فقط شعرت بالتراحم والعطف والشفقة من قلبي،

بعدما تعلمت كلمة "الرحمة" ومفهومها،

الآن أنا أشعر بهم.

أعيش الآن في الولايات المتحدة كإنسانة حرة.

(تصفيق)

شكراً.

(تصفيق)

ومؤخراً،

إن رئيسنا "ترمب"، رئيس البلد الحر،

قد قابل "إلهي" السابق.

الذي قال إن حقوق الإنسان
ليست بالاهتمام الكاف

ليدرجها في أجندته،

لم يناقش حقوق الإنسان.

وقد ألقى هذا الروعَ في نفسيَ.

إننا نعيشُ الآن في عالمٍ

حيث ثمة ديكاتور يكون محمموداً
للإقدام على إعدام عمِّه،

وقتل أخيه غير الشقيق،

وقتل الآلاف من المواطنين
الكوريين الشماليين.

ويوجّه له الثناء بعد مثل تلك الأفعال.

وذلك أيضاً يحضّني أن أفكّر:

ربما يعوزُنا أن نُلـقن شيء جديد عن الحرية.

إن الحريةَ ذات مفهومٍ هشٌ.

لا أريد تحذيركم، لكن هذه هي الحقيقة.

يستغرق الأمر قفط ثلاثة أجيال

لتصل كوريا الشمالية
إلى مغزى رواية جورج أورويل "1984".

ثلاثة أجيال فحسب.

إذا لم نحارب من أجل حقوق الإنسان

من أجل الذين يتعرضون للظلم
ولا يملكون إيصال الصوت في الوقت الحالي،

على نحو ما نعيش أحراراً هنا،

من سيحارب من أجلنا حين لا نكون أحراراً؟

الآلات؟ أم الحيوانات؟ لا أدري.

أعتقد أنه من الرائع الاهتمام
بقضية التغير المناخي،

وحقوق الحيوان، والمساواة بين الجنسين،

جميع هذه الأشياء.

إن حقيقة أننا نهتم بحقوق الحيوانات

تعكس مدى الخير داخلنا،

إننا نهتم بمَن لا يستطيعون الحديث
عن أنفسهم.

والمواطنون الكوريون الآن
ليس بوسعهم الحديث عن أنفسهم.

ليس لديهم إنترنت في القرن الـ21.

إننا لا نملك الكهرباء،

إنها الآن البقعة الأشد قتامةً
على وجه الأرض.

الآن، أودُ أن أوجه كلمةً
إلى إخواني الكوريين الشماليين

الذين يعيشون في الظلام.

ربما لا يصدقون هذا،

إلا أنني أود أخبارَهم
أن ثمة حياة بديلة هي أمر ممكن.

كن حراً.

من خلال تجربتي،

إن كل شيءٍ في الإمكان منالُـهُ.

لقد جرى الاتجار بي،

تم بيعي كأمَـةٍ.

لكـنّي الآن إنسانة حرة هنا،

وهذا سبب إيماني بالمعجزات.

الشيء الذي تعلمته من خلال تجربتي

ليس هناك شيء يدوم للأبد.

وهذا سبب تمسكنا بالأمل

شكراً لكم.

(تصفيق)