هل يوجد ما يسمى "أنت " حقيقةً

مالذي يشكلك، انت؟ هل هو ما تفكر به، أو ما يفكر به الآخرون تجاهك، أو شيء آخر مختلف تماما؟ في هذه المحادثة، يستخلص جوليان باجاني من الفلسفة وعلم الدماغ والاعصاب و يقدم أجابة مفاجئة.
تم تصويره في TEDxYouth@Manchester

هل يوجد ما يسمى "أنت" حقيقة؟

قد يبدو هذا سؤالًا غريبًا جدًا بالنسبة لكم

لأنكم قد تسألون

كيف يمكن لك أن تجد نفسك الحقيقية،

وكيف لك أن تعرف ما هي ماهيتك الحقيقية؟

وهكذا.

ولكن الفكرة أنه يجب أن يوجد
ما يسمى "أنت" حقيقة،

ذلك واضح بالتأكيد.

لو أن هناك أي شىء حقيقي في العالم فهو أنت.

حسنًا، أنا غير متأكد بالضبط.

على الأقل علينا أن نفهم بوضوح
ماذا يعني ذلك.

الآن بالتأكيد أعتقد أن هناك في ثقافتنا

العديد من الأشياء حولنا تدعم فكرة

أن لكل واحد منا جوهر ما.

هناك شيء ما حول ما يعنيه كونك أنت
يُعِّرف حقيقتك،

وهذا الشيء دائم وغير متغير.

إن من أبسط الأشياء التي تظهر كينونتنا،

أشياء مثل الأبراج الفلكية.

فالناس مغرمون بهذه الأشياء حقيقة

فهم ينشرونها على صفحة الفيسبوك الخاصة بهم

وكأنها أشياء مهمة ذات قيمة ومعنى،

فأنت تعلم أيضًا برجك الفلكي الصينى.

و هناك أيضًا نسخ علمية معدلة من هذا،

كل أنواع الطرق المختلفة لرسم أنواع الشخصية

مثل اختبارات مايرز بريجز على سبيل المثال.

لا أعلم إذا قدمتم هذه الاختبارات أم لا.

تستخدمها الكثير من الشركات لتعيين الموظفين

فأنت تقوم بالإجابة على أسئلة عديدة،

وهذا من المفترض أن يُظهر شخصيتك الحقيقية.

وبالطبع لهذا سحر وجاذبية هائلة
لدى الكثيرين.

في مجلَّات مثل هذه، فإنك سوف تجد،

في الأسفل إلى اليسار، إعلانًا في كل عدد

عن شيء ما عن الشخصية.

وإذا اخترت أيًا من هذه المجلَّات

فمن الصعب مقاومة هذه الإعلانات، أليس كذلك؟

بعد أن تأخذ هذا الإختبار
ستعرف أسلوب تعلٌّمك،

ما هو أسلوبك في الحب أو في العمل؟

هل أنت من هذا النوع من الشخصيات أم من ذاك؟

وبالتالي أعتقد أنّنا نمتلك فطريًا الفكرة

بأن لدينا جوهرًا بداخلنا

لا بد أن نكتشفه.

وأن هذه هي الحقيقة الدائمة حول أنفسنا،

شيئًا سيظل ثابتًا طوال الحياة.

ولكن هذه هي الفكرة
التي أريد الاعتراض عليها.

ولا بد أن أقول الآن، سأقولها لاحقًا،

ولكني لا أريد أن أرفضها لأني غريب الأطوار،

ولكن هذا الرفض له تاريخ طويل و مميز.

ها هي الفكرة المتعلقة بالفطرة.

ها أنت.

أنتم الأفراد أنفسكم
وأنتم تملكون هذا الجوهر.

الآن ما يحدث في حياتكم

هو أن خبراتكم المختلفة تتراكم و هكذا.

وبالتالي تملكون الذكريات،

وهذه الذكريات تساعد في تكوين شخصياتكم،

وأنتم أيضًا لكم رغبات، للبسكويت مثلًا،

أو لأي شيء آخر لا نريد أن نتحدث عنه

عند الساعة الحادية عشرة صباحًا في المدرسة.

سيكون عندكم معتقدات و أفكار.

هذه هي لوحة رقم لشخص في أمريكا.

لا أعرف إذا كانت هذه اللوحة
و التي تقول "المسيح 1"

تعبر عن اعتقاد السائق بوجود المسيح

أم تعبر أنه هو المسيح.

وفي كل الحالات،
فهو عنده اعتقاد ما متعلق بالمسيح.

نحن نمتلك المعرفة.

ونمتلك أيضًا الأحاسيس والخبرات.

إنها ليست أفكارًا فقط.

وهكذا فأعتقد هذا هو النظام الفطري

لماهية الشخص

فقد يكون هناك شخص
يمتلك كل ما يكوِّن الخبرات الحياتية

و لكن ما أريد أن اقترحه عليكم اليوم

أن هناك خطئًا جوهريًا بهذا النظام.

أستطيع ان أُريكم الخطأ بنقرة واحدة.

ما يوجد حقيقة في قلب جميع هذه التجارب
ليس "أنت".

أهي فكرة غريبة؟ ربما لا.

ما هي إذًا؟

قطعًا توجد الذكريات والنوايا والأحاسيس

وهكذا.

ولكن ما يحدث هو أن هذه الأشياء

تتواجد بشكل تكاملي

وبشكل متصل ومتتداخل بطرق عديدة ومختلفة.

فهي متصلة بشكل جزئي، أو ربما كلّي،

لأنها تنتمي لجسد واحد وعقل واحد.

لكن هناك أيضًا قصة نرويها عن أنفسنا،

الخبرات التي نمر بها عندما نتذكر الماضي.

نحن نقوم بأشياء بسبب أشياء أخرى.

فما نرغب به ناتج جزئيًا عما نعتقد،

وما نتذكره أيضًا يُخبرنا عما نعرفه.

وبالتالي فهناك كل هذه الأشياء،

مثل المعتقدات والرغبات
والأحاسيس والخبرات،

وكلها متصلة ببعضها البعض،

وهذا هو أنت.

بطريقة ما قد يختلف هذا قليلًا
عن الفهم الفطري.

وبطريقة ما قد يكون الاختلاف هائلًا.

فهو التغيير بين اعتقادك عن نفسك

كشيء يملك كل خبرات الحياة

واعتقادك عن نفسك كشيء يجمع

كل خبرات الحياة.

فأنت مجموع أجزائك.

والآن بالطبع هذه الأجزاء
قد تكون جسدية أيضًا،

العقول والأجساد والساقين وهذه الأشياء،

ولكن هذه الأشياء ليست مهمة في الحقيقة.

لو أجريت لك عملية زرع قلب فستظل نفس الشخص.

أما لو أجريت لك عملية زرع ذاكرة،
فهل ستظل نفس الشخص؟

ولو أجريت لك عملية زرع أفكار،
فهل ستظل نفس الشخص؟

هذه هي الفكرة الآن، وهذا ما نحن عليه،
الطريقة التي نفهم بها أنفسنا

ليست ككائن ثابت له خبرات،

ولكنه مجموع هذه الخبرات،

هذا قد يُدهشك بشكل غريب.

لكن في الحقيقة،
لا أعتقد أنه يجب أن يكون غريبًا.

فهو بشكل ما شيء طبيعي وفطري.

لأني أدعوك مثلاً للتفكير، عكس ذلك،

فكر بأي شيء آخر في العالم،

ربما بشيء بعيد عن قوى الطبيعة الأساسية.

فلنفكر في شيء مثل المياه.

أنا لا أجيد العلوم.

فالمياه مثلًا تتكون من ذرتين هيدروجين

وذرة أكسجين، أليس كذلك؟

كلنا نعلم ذلك.

أتمنى ألا يكون هناك شخص ما في هذه القاعة
يفكر في أن يعنيه ذلك

هو أن هناك شيء يسمى المياه وتتصل به

جزيئات الهيدروجين والأكسجين

وأن هذه هي المياه.

بالطبع، لا نفكر كذلك.

فنحن نفهم بسهولة فورًا

بأن المياه ليست إلا

مجموع ذرات هيدروجين وأكسجين
منظمة بشكل ما.

وبالمثل كل شيء في العالم.

لا يوجد لغز حول ساعتي مثلًا.

فالساعة لها وجه وعقارب

وآلية عمل وبطارية.

ولكن ما نعنيه حقيقةً،

نحن لا نفكر بأن هناك شيء يسمى الساعة

متصل بها كل أجزائها.

ولكن ما نفهمه بوضوح
أنك تحصل على أجزاء هذه الساعة

وتجمعهما وتكوِّن الساعة.

لو كل شيء في العالم مثل هذا،

لماذا نكون مختلفين؟

لماذا نفكر في أنفسنا

ليس ككائن يجمع كل أجزائنا

ولكن ككيان منفصل يحتوي على هذه الأشياء؟

ولكن حقيقةً هذا الرأي بالتحديد ليس جديدًا.

إن له أصولًا قديمةً.

قد تجده في البوذية،

وقد تجده أيضًا في فلسفة
القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر

و تجده أيضًا عند فلاسفة العصر الحالي
مثل لوك و هيوم.

و من المثير للإهتمام أيضًا
أن هذا الرأي

أصبح مسموعًا و معززًا بشكل متزايد
في علم الأعصاب.

فها هو بول بروكس،
أخصائي النفس والأعصاب،

وهو يقول:

"نحن نملك الحدس العميق
وهنا يوجد الجوهر،

وهذا الجوهرغالبًا يصعب التخلص منه،

أظن أنه ربما من المستحيل التخلص منه،

ولكن علم الأعصاب أثبت
أنه لا يوجد مركز في المخ

تتجمع فيه هذه الأشياء."

عندما تنظر إلى المخ

وعندما تنظر للمخ وكيف أنه
يحقق الإحساس بالذات،

فإنك تجد أنه لا يوجد في المخ
مكان مركزي يتحكم في كل شيء.

لا يوجد مركز محدد
حيث يحدث كل شيء.

هناك الكثير من العمليات المختلفة في المخ،

كل هذه العمليات تعمل بطريقة مستقلة.

ولكن لأن هذه العمليات مرتبطة ببعضها
بطريقة ما

فنبدأ نشعر بذاتنا.

إن المصطلح الذي أستخدمه في كتابي
هو "خدعة الذات."

فهي مثل الخدعة الميكانيكية.

هذا لا يعني أننا غير موجودين،

ولكن الخدعة تجعلنا نشعر أنه يوجد بداخلنا

شيء موحد أكثر من حقيقته.

الآن ربما أنك تعتقد بأن هذه فكرة مقلقة.

من الممكن أنك تعتقد أنه لو صحّ هذا الأمر،

لو أنه لا يوجد إحساسٌ ثابتٌ لكل واحد منا،

لا يوجد جوهرُ ثابتُ،

هل يعني هذا حقيقةً أن النفس عبارة عن وهم؟

هل يعني هذا أننا غير موجودين؟

أنه لا يوجد "أنت" حقيقةً.

حسنًا، هناك الكثير من الناس
يتحدثون عن النفس وكأنها وهم، إلخ.

هؤلاء علماء النفس الثلاثة،
توماس ميتزنجر وبروس ود

وسوزان بلاكمور،

الكثير من هؤلاء الناس يتحدثون
بلغة الوهم،

أن النفس عبارة عن وهم أو خيال.

ولكن لا أعتقد أن من المُجدي
النظر للموضوع من هذه الزاوية.

فلنرجع لفكرة الساعة مرة أخرى.

لا تعتبر الساعة وهمًا لأن الساعة

ليست إلا عبارة عن مجموع أجزائها.

وبنفس المنطق فنحن لا نعتبر وهمًا.

الحقيقة أن كوننا في بعض الأحيان
عبارة عن مجموعة معقدة

من الأشياء المنظمة بطريقة معينة

لا يعني أننا لسنا حقيقيين.

من الممكن أن أعطيكم استعارة تشبيهيه لذلك.

فلنأخذ مثلًا شيئًا كالشلالات.

هناك شلالات إجوازو بالأرجنتين.

لو نظرتم إلى شيء مثل ذلك،

فيمكنكم تقدير حقيقة أنه وبطرق مختلفة،

ليس هناك شيء ثابت في هذا.

لسبب واحد وهو أن الشلالات دائمًا متغيرة.

فالمياه دائمًا تحفر طريقها في قنوات جديدة

مع تغييرات المد والجزر والجو،

فبعض الأشياء قد تجف
وبعض الأشياء تتكون من جديد.

بالطبع، المياه التي تجري في الشلالات

مختلفة في كل لحظة.

هذا لا يعني أن شلالات إجوازو عبارة عن وهم.

هذا لا يعني أنها غير موجودة.

ولكن هذا يعني أننا
لا بد أن نفهم ما هي حقيقتها

كشيء له تاريخ

كشيء له مكونات تجمعه بشكل ما

ولكنها في نفس الوقت عملية،
إنها سائل متغير دائمًا.

فهذا على ما أعتقد
نظام يساعدنا على فهم أنفسنا،

وأعتقد أيضًا أنه نظام محرِّر.

لأنه إذا كنت تعتقد أنك تمتلك
هذا الجوهر الثابت اللا متغير

طوال حياتك مهما حدث،

فإنك قد تم خداعك.

إنك مولود بهذا الجوهر

وإن هذا ثابت لا يتغير حتى تموت،

إذا كنت تؤمن بالآخرة، فمن الممكن أن تستمر.

ولكن لو كنت تؤمن بأنك، بطريقة ما،

شيء مختلف، و لكنك كعملية،

كشيء متغير،

فأعتقدُ أن هذه الفكرة محرِّرة إلى حد ما.

لأنه على عكس الشلالات،

فإننا حقيقةً لنا القدرة على تغيير

اتجاه تطويرنا لأنفسنا إلى حد معين.

والآن لا بد لنا أن نكون حذرين، أليس كذلك؟

لو شاهدت حلقات الـ X factor كثيرًا،
فإنك قد تؤمن بفكرة

أنه يمكننا أن نكون ما نريد.

ولكن هذا ليس صحيحًا.

فأنا سمعت مجموعة
من الموسيقيين الرائعين اليوم،

وأنا أثق تمامًا أني لا يمكن
أن أكون جيدًا مثلهم.

قد أستطيع التمرن بجد وقد أكون جيداً،

لكني لا أمتلك هذه القدرة الطبيعية.

إن هناك حدودًا لما نستطيع تحقيقه.

هناك حدود لما نستطيع أن نصنعه من أنفسنا.

ولكن على الرغم من ذلك، نحن نمتلك القدرة

على تشكيل أنفسنا.

فالنفس الحقيقية إذًا

ليست عبارة عن شيء يتم اكتشافه،

أنت لا تنظر داخل نفسك لترى نفسك الحقيقية.

إن ما تفعله، جزئيًا على الأقل،

هو أنك تصنع نفسك الحقيقية.

وهذا ما أعتقد أنه شيءٌ مهمٌ للغاية،

و خاصةً في هذه المرحلة التي أنت فيها.

أنت واعٍ بالحقيقة

بمدى تغيرك في السنوات الأخيرة.

لو عندك فيديوهات لنفسك
في آخر ثلاث أو أربع سنوات،

فإنك ستشعر بالإحراج
لأنك قد لا تعرف نفسك.

و لذلك أريد أن أصل إليك بهذه الرسالة،
ما نريده حقًا

هو أن نفكر بأنفسنا كأشياء يمكننا تشكيلها

وتوجيهها وتغييرها.

وهذا هو بوذا، مرة أخرى:

"صناع الآبار يقودون المياه

وصناع الأسهم يثنون سهامهم

والنجارون يثنون ألواح الخشب

والحكماء يُشكِّلون أنفسهم."

هذه هى الفكرة التىي
أريد أن أتركها لكم،

وهي أن نفسك الحقيقية ليست
شيئا تبحث عنه،

كلغز من الصعب إيجاده.

فكرة أنك تمتلك نفس حقيقية

ليست شيئًا تكتشفه جزئيًا،

و لكنها شيء تخلقه و تكوِّنه جزئيًا.

وهذا على ما أعتقد أنه
رأيٌ شيقٌ و محرِّر.

أشكركم جزيل الشكر.