عندما نفكّر بمدى فعالية هيكلياتنا الاجتماعية وعقائدنا في مجتمعاتنا فإننا في معظم الأحيان ننظر إلى الحكومات والسياسيين والشركات بصفتهم الجهات المؤسسية القيادية المسؤولة عن ضمان جودة حياتنا بالتأكيد تعتبر هذه الفكرة صحيحة، ولكن إلى درجة معيّنة فقط ومع مرور الوقت، أصبحنا كبشر أكثر وأكثر إدراكاً وفهما للطبيعة وآليات عملها وهو ما سمح لنا باستنباط أساليب تعزز قدرتنا على تقليد الطبيعة في كافة جوانبها الإبداعية المذهلة فأتت التكنولوجيا كثمرة لهذه الحالة وهي العنصر الذي يميّزنا كبشر عن بقية الفصائل الحيوية الأخرى من حيث القدرات الوظيفية فنحن نتمتع بالقدرة على الإبداع بالكثير من الأشكال والطرق وإذا لم نرد مثلاً تنظيف مجاري الصرف الصحي، فإننا نستطيع اختراع آلة تنفذ هذه المهمة بدلاً منّا في بداية العصر الصناعي، كان أغلب الناس يعملون في المصانع أما اليوم، فتشكّل الأتمتة الوسيلة الأبرز لتشغيل 90% من كافة المصانع تقريباً
وقد أفضى هذا التوجه إلى الاستغناء عن الناس، فتم إيجاد قطاع ضخم للخدمات "المزيّفة" التي نحن بغنى عنها وذلك بهدف الحفاظ على مفهوم توظيف الناس مقابل المال ويشّف هذا الوضع عن حقيقة جذرية جديدة وهي أن الأتمتة القائمة على الآلات تمثل تحدياً مستمراً ومتنامياً لأهمية العمل البشري (أي الذي يقوم به الإنسان) ولا يعني ذلك أنه لن يبقى للبشر ما يفعلوه مع مرور الوقت بل على العكس تماماً، يبشّر هذا التوجه بتنامي القدرة على تحرير الناس من الأعمال التي لا يرغبون بالقيام بها بحيث يكون لديهم متسّع من الوقت كي يمارسوا ما يحبّونه فعلاً