أعمل في مجال حفظ الأسرار، ويشمل ذلك أسراركم. المشفرون هم خط الدفاع الأول في حرب مستعرة منذ قرون: حرب بين صناع الشفرة ومحلليها. وهو صراع على المعلومات. وأرض المعركة الحديثة على المعلومات رقمية. وهي تشن عبر هواتفكم، وحواسيبكم، والإنترنت. وظيفتنا هي إنشاء أنظمة تشفر عن بريدكم الإلكتروني وبطاقاتكم الائتمانية، ومكالماتكم الهاتفية ورسائلكم، ويشمل ذلك صوركم الشخصية البذيئة، (ضحك) ولا يتم فك هذا التشفير عن المعلومات إلا بواسطة المتلقي المقصود. حتى وقت قريب، اعتقدنا أننا سنربح هذه الحرب وللأبد. حاليًا تستخدم هواتفكم الذكية التشفير الذي اعتقدنا أنه لا يمكن خرقه وأنه سيبقى على هذه الحال. ولكننا كنا مخطئين، لأن الحواسيب الكمومية قادمة، وسوف تغير الوضع كليًا. عبر التاريخ، كان التشفير وكسر الشفرة مثل لعبة القط والفأر. وفي القرن السادس عشر، ظنت ماري ملكة اسكتلندا أنها ترسل رسائل مشفرة ولا يستطيع أحد فك شفرتها إلا جنودها. ولكن إليزابيث ملكة انجلترا، كان لديها محللون للشفرة وفكوا شفرة رسائل ماري، واكتشفوا أنها كانت تخطط لاغتيال إليزابيث ومن ثم، قطعوا رأس ماري. بعد ذلك ببضعة قرون، في الحرب العالمية الثانية، تواصل النازيون باستخدام شفرة (إنيغما)، مخطط تشفير أكثر تعقيدًا اعتقدوا أنه غير قابل للفك. ولكن عندها قام (آلان تورنج)، وهو الشخص الذي اخترع ما نسميه اليوم بالحاسوب الحديث، ببناء آلة واستخدمها لفك شفرة (إنيغما). فك ذلك شفرة الرسائل الألمانية وساعد على إيقاف هتلر والرايخ الثالث. واستمرت هذه القصة لقرون. يحسن المشفرون من شفراتهم، ثم يرد المحللون ويجدون سبيلًا لفكها. واستمرت هذه الحرب يوم لنا ويوم علينا. حتى سبعينيات القرن الماضي، عندما حقق بعض المشفرين تقدم عظيم. واكتشفوا طريقة قوية للغاية للتشفير تسمى التشفير باستخدام المفتاح العام. وبخلاف كل الطرق السابقة، فإنها لا تتطلب أن يقوم الطرفان الراغبان في إرسال معلومات سرية إلى بعضهما بتبادل المفتاح السري أولًا. سحر تشفير المفتاح العام هو أنه يسمح لنا بالاتصال بأمان مع أي شخص في العالم، سواء تبادلنا البيانات من قبل أم لا، والقيام بذلك بسرعة لدرجة أننا لا ندرك أنه يحدث. سواء كنت تراسل رفيقك لتحتسوا الجعة معًا، أو كنت بنكًا يقوم بتحويل مليارات الدولارات إلى بنك آخر، يتيح لنا التشفير الحديث ارسال بيانات يمكن تأمينها في أجزاء من الثانية. الفكرة التي تجعل هذا السحر ممكنًا، تعتمد على المسائل الرياضية الصعبة. فالمشفرون يهتمون بشدة بالأشياء التي لا تستطيع الآلات الحاسبة القيام بها. فمثلًا، يمكن أن تضرب الآلات الحاسبة أي رقمين تريدهما، أيًا كان حجمهما. ولكن الذهاب بالاتجاه المعاكس، بدءًا من ناتج الضرب ثم التساؤل، "أي رقمين يتم ضربهما للحصول على هذا الناتج؟" إنها مسألة صعبة حقًا. إذا سألتكم إيجاد رقمين ناتج ضربهما هو 851، باستخدام الآلة الحاسبة، فأغلب الناس في هذه الغرفة سيصعب عليهم إيجاد الحل، في وقت إنهاء هذا الحديث. وإذا جعلت الأرقام أكبر قليلًا، فلا يوجد آلة حاسبة على الأرض يمكنها فعل ذلك. في الواقع، حتى أسرع حواسيب العالم سوف تستغرق وقتًا أطول من عمر الكون لتجد الرقمين الذين ينتج ضربهما هذا الرقم. وهذه المشكلة، التي تسمى "تحليل الأعداد إلى عوامل،" هي ما تستخدمه هواتفكم وحواسيبكم المحمولة الآن للحفاظ على أمن البيانات. هذا هو أساس التشفير الحديث. وحقيقة أن جميع حواسيب العالم مجتمعة لا يمكنها حله، هذا هو السبب وراء اعتقادنا كمشفرين أننا قد وجدنا طريقة لنتغلب على محللي الشفرات. ربما أصابنا الغرور لأنه عندما ظننا أننا انتصرنا في الحرب، انضم إلى الحفلة مجموعة من علماء الفيزياء من القرن العشرين، وكشفوا أن قوانين الكون، نفس القوانين التي بني عليها التشفير الحديث، ليست كما اعتقدنا. كنا نظن أن الشيء لا يمكنه التواجد في مكانين في نفس الوقت. لكن ليس هذا هو الحال. كنا نظن أنه لا يمكن لشيء أن يدور في اتجاه وعكس اتجاه عقارب الساعة في الوقت ذاته. لكن هذا غير صحيح. وكنا نظن أن كائنين على جانبي الكون، وبينهما سنوات ضوئية، لا يمكنهم التأثير على بعضهم البعض لحظيًا. وكنا مخطئين مرة أخرى. أليس هذا هو الحال دائمًا؟ عندما تظن أنك ألممت بالأمر، تأتي مجموعة من علماء الفيزياء وتكشف أن القوانين الأساسية للكون مختلفة تمامًا عما اعتقدت؟ (ضحك) ويفسد ذلك كل شيء. في عالم ما دون الذرات متناهي الصغر، على مستوى الإلكترونات والبروتونات، القوانين التقليدية للفيزياء، وهي القوانين التي نعلمها ونحبها، تتلاشى. وتبدأ قوانين ميكانيكا الكم. في ميكانيكا الكم، يمكن للإلكترون الدوران في اتجاه وعكس اتجاه عقارب الساعة في نفس الوقت، ويمكن للبروتون التواجد في مكانين في نفس الوقت. يبدو ذلك كالخيال العلمي، ولكن هذا فقط لأن الطبيعة الكمومية المجنونة لكوننا، تخفي نفسها عنا. وبقيت مخفية عنا حتى القرن العشرين. ولكن الآن بعد أن رأينا ذلك، أصبح العالم بأسره في سباق لمحاولة بناء الحاسوب الكمومي، وهو حاسوب يمكنه تسخير قوة هذا السلوك الكمومي الغامض. هذه الأشياء ثورية جدًا وقوية جدًا حتى أنها ستجعل أسرع الحواسيب الخارقة اليوم تبدو عديمة القيمة بالمقارنة بها. في الواقع، بالنسبة لمشاكل معينة لها أهمية عندنا، حواسيب اليوم الخارقة تبدو أقرب للمعداد مقارنة بالحواسيب الكمومية. هذا صحيح، أنا أتحدث عن تلك الأشياء الخشبية الصغيرة ذات الخرز. يمكن للحواسيب الكمومية محاكاة العمليات الكيميائية والبيولوجية التي لا يمكن لحواسيب اليوم معالجتها. وبهذا، فهي تعد بمساعدتنا في حل المشكلات الكبرى لكوكبنا. فسوف تساعدنا على مكافحة الجوع في العالم، ومعالجة تغير المناخ، وإيجاد علاجات للأمراض والأوبئة التي لم ننجح في علاجها حتى الآن، وإنشاء ذكاءٍ اصطناعيٍ خارق، وربما كان الأهم من كل ذلك، أنها ستساعدنا في فهم طبيعة عالمنا ذاته. ولكن مع هذه الإمكانات المذهلة يأتي خطر كبير. هل تتذكرون هذه الأرقام الكبيرة التي تحدثت عنها سابقًا؟ لا أتحدث عن 851. في الواقع لو كان أي منكم تشتت في محاولة إيجاد هذه العوامل، فسوف أخرجه من بؤسه وأخبره أنها 23 ضرب 37. (ضحك) أتحدث عن الرقم الأكبر كثيرًا الذي تبعه. بينما لا تستطيع حواسيب اليوم الخارقة تحليل هذه العوامل خلال عمر هذا الكون، يمكن للحاسوب الكمومي تحليل أرقام أكبر كثيرًا من هذا. تقوم أجهزة الكمبيوتر الكمومية بفك كل التشفير المستخدم حاليًا لحمايتنا من المخترقين. وستفعل ذلك بسهولة. دعوني أصيغها بهذه الطريقة: إذا كانت الحواسيب الكمومية رمحًا، فإن التشفير الحديث، وهو النظام غير القابل للاختراق الذي حمانا لعقود، سيكون كدرع صنع من المحارم الورقية. وأي شخص يستعمل حاسوب كمومي سيملك المفتاح لفتح أي شيء في عالمنا الرقمي. فيمكنهم سرقة الأموال من البنوك والتحكم في الاقتصاد. يمكنهم قطع الكهرباء عن المستشفيات أو إطلاق القنابل النووية. أو الجلوس فقط ومشاهدتنا من خلال كاميرات الويب خاصتنا دون أن نعلم أن ذلك يحدث. الوحدة الأساسية للمعلومات على جميع الحواسيب التي اعتدنا عليها مثل هذا، تسمى "بت". والبت الواحدة يمكن أن يكون لها حالة من اثنين: يمكن أن تكون صفرًا أو واحدًا. عندما استخدم فيس تايم لمحادثة أمي في الجانب الآخر من العالم، سوف تقتلني لعرضي هذه الشريحة، (ضحك) فنحن في الواقع نرسل لبعضنا سلاسل طويلة من الصفر والواحد تثب من حاسوب إلى حاسوب ومن قمر صناعي إلى آخر، وتنقل بياناتنا بوتيرة سريعة. البت هي شيء مفيد بالتأكيد. في الواقع كل ما نفعله حاليًا بالتكنولوجيا مدين لفائدة البت. لكننا بدأنا ندرك أن البت فقيرة حقًا في محاكاة الجزيئات المعقدة. وهذا لأنه، إلى حد ما، العمليات دون الذرية يمكن أن تفعل شيئين متعارضين أو أكثر في نفس الوقت لأنها تتبع هذه القواعد الغريبة لميكانيكا الكم. لذلك، في أواخر القرن الماضي، كان لدى بعض علماء الفيزياء العباقرة هذه الفكرة المبدعة: بناء حواسيب يتم تأسيسها على مبادئ ميكانيكا الكم. الآن، الوحدة الأساسية للمعلومات في الحاسوب الكمومي، تدعى "كيوبت". وهي اختصار لـ"البت الكمومية." وبدلًا من امتلاكها لحالتين فقط، مثل الصفر والواحد، يمكن للكيوبت أن تمتلك عدد لا نهائي من الحالات. وهذا يطابق كونها مزيج من الصفر والواحد في نفس الوقت، وهي ظاهرة ندعوها "التراكب الكمي." وعندما يكون لدينا كيوبتين بينهما تراكب كمي، فإننا نتعامل في الواقع مع المجموعات الأربع وهي صفر وصفر، صفر وواحد، واحد وصفر، وواحد وواحد. وبوجود ثلاثة كيوبت، فنحن نتعامل في التراكب الكمي مع ثمان مجموعات، وهكذا. في كل مرة نضيف كيوبت واحدة، نضاعف عدد المجموعات التي يمكن أن نتعامل معها في التراكب الكمي في نفس الوقت. لذلك عندما نتوسع في التعامل مع العديد من الكيوبت، يمكننا العمل مع عدد أُسي من المجموعات في نفس الوقت. وهذا يلمح فقط إلى مصدر قوة الحوسبة الكمومية. الآن، في التشفير الحديث، مفاتيحنا السرية، مثل العاملين لهذا العدد الأكبر، هم مجرد سلاسل طويلة من الأصفار والواحد. وللتعرف عليهم، ينبغي على الحاسوب التقليدي اختبار كل مجموعة ممكنة، واحدة بعد الأخرى، حتي يعثر على المجموعة الصحيحة ويفك شفرتنا. ولكن في الحاسوب الكمومي، مع عدد كاف من الكيوبت في تراكب كمي، يمكن استخلاص المعلومات من كل المجموعات في نفس الوقت. بخطوات قليلة، يمكن للحاسوب الكمومي أن يتجنب كل المجموعات الخاطئة، ويحدد الصحيحة ويطلع على أسرارنا الثمينة. على المستوى الكمي الجنوني، يحدث شيء لا يصدق حقًا هنا. الحكمة المألوفة لدى الفيزيائيين الرائدين، وعليكم التركيز معي في هذا الأمر، هي أن كل مجموعة يتم اختبارها بواسطة حاسوب كمومي خاص داخل عالمها الموازي. وكل هذه المجموعات تضاف لبعضها كموجات في بركة ماء. فالمجموعات الخاطئة تلغي بعضها البعض. والمجموعات الصحيحة تقوي بعضها. وفي نهاية البرنامج الحسابي الكمومي، لا يتبقى إلا الإجابة الصحيحة، التي يمكننا رصدها هنا في هذا الكون. إن لم يكن ذلك منطقيًا، فلا تنزعجوا. (ضحك) أنتم في رفقة جيدة. قال (نيلز بور) ذات مرة، وهو أحد رواد هذا المجال، أن أي شخص يمكنه التفكير في ميكانيكا الكم دون أن يصدم، فهو لم يفهمها. (ضحك) ولكنكم تملكون فكرة عما نواجهه، ولماذا ينبغي علينا كمشفرين أن نصعّد الأمر. وعلينا فعل ذلك بسرعة، لأن الحواسيب الكمومية، متواجدة فعلًا في المختبرات حول العالم. ولحسن الحظ، الآن، فهي متواجدة على نطاق ضيق، وأصغر من أن يفك شفراتنا. ولكن قد لا نبقى في مأمن لوقت طويل. يعتقد بعض الناس أن الوكالات الحكومية السرية قد بنوا واحدًا كبيرًا بما يكفي، ولم يخبروا أحدًا بعد. ويقول بعض المتكهنين أن أمامنا 10 سنوات. ويقول آخرون أنها 30 سنة. قد تعتقدون أنه إذا كانت الحواسيب الكمومية تبعد 10 سنوات، فالوقت كاف أمامنا كمشفرين لإيجاد حل ولتأمين الإنترنت في الوقت المناسب. ولكن للأسف، ليس الأمر بتلك السهولة. حتى إذا تجاهلنا كل السنوات التي نحتاجها لتوحيد ونشر ومن ثم طرح تقنية التشفير الجديدة، بشكل ما قد نكون متأخرين بالفعل. فالمجرمون الرقميون الأذكياء والوكالات الحكومية قد يكون بحوزتهم بياناتنا الثمينة في انتظار المستقبل الكمومي القادم. رسائل القادة الأجانب، و جنرالات الحرب أو الأفراد المعارضين للسلطة، جميعها مشفرة الآن. ولكن بمرور الأيام عندما يصبح الحاسوب الكمومي في متناول اليد، سيمكنهم فك الشفرات بأثر رجعي. في قطاعات حكومية واقتصادية معينة أو في المؤسسات العسكرية، تبقى البيانات الحساسة سرية لمدة 25 عامًا. فإذا تواجد الحاسوب الكمومي خلال 10 سنوات، فقد تأخر هؤلاء 15 عامًا بالفعل على اختبار التشفير الكمي. لذلك بينما يتسابق كثير من العلماء حول العالم لمحاولة بناء حاسوب كمومي، نحن المشفرون نبحث بشكل عاجل لإعادة اختراع التشفير لحمايتنا قبل مجئ هذا اليوم. نبحث عن مسائل رياضية جديدة وصعبة. نبحث عن مسائل مثل تحليل العوامل الأولية، يمكن استخدامها في هواتفنا وحواسيبنا المحمولة اليوم. ولكن على عكس تحليل العوامل، نحتاج أن تكون هذه المسائل صعبة للغاية حتي لا يمكن لحاسوب كمومي حلها. في السنوات الأخيرة، كنا ننقب على نطاق أوسع في الرياضيات بحثًا عن هذه المسائل. وكنا ننظر إلى الأرقام والأشياء شديدة الغرابة والتجريدية مقارنة بما اعتدنا عليه، مثل الموجودة في الآلات الحاسبة. ونعتقد أننا وجدنا بعض المسائل الهندسية التي يمكن أن تؤدي الغرض. وعلى عكس تلك المسائل الهندسية ثنائية وثلاثية الأبعاد التي اعتدنا أن نحاول حلها بالورق والقلم في المدرسة الثانوية، يتم تعيين هذه المسائل في أكثر من 500 بعد. لذلك لا يصعب تصورهم وحلهم على الورق فقط، إذ نعتقد أنهم يصعبون على الكمبيوتر الكمومي أيضًا. وعلى الرغم من أن الوقت مبكر، إلا أننا نضع أملنا هنا ونحن نحاول تأمين عالمنا الرقمي بينما يتجه إلى المستقبل الكمومي. تمامًا مثل كل العلماء الآخرين، نحن كمشفرين متحمسون للغاية لإمكانات العيش في عالم به حواسيب كمومية. حيث يمكن أن تكون قوة من أجل الخير. ولكن بغض النظر عن المستقبل التكنولوجي الذي سوف نعيش فيه، سوف تبقى أسرارنا جزءًا من إنسانيتنا. وهذا يستحق الحماية. شكرًا. (تصفيق)