1 00:00:00,917 --> 00:00:06,393 أودُ التحدث اليوم عن كيف يمكن للقراءة أن تغير من حياتنا 2 00:00:06,417 --> 00:00:08,792 وعن حدود ذلك التغيير. 3 00:00:09,750 --> 00:00:14,018 أودُ أن أتحدث إليكم عن كيف يمكن للقراءة أن تمنحنا عالماً مشتركاً، 4 00:00:14,042 --> 00:00:16,750 من العلاقات الإنسانية القوية. 5 00:00:17,833 --> 00:00:21,393 ولكن أيضاً عن كيف يمكن لتلك العلاقات أن تكون علاقات جزئية في جميع الأحوال. 6 00:00:21,417 --> 00:00:26,500 وكيف أن القراءة في خاتمة المطاف تمثل مهمة فردية ذات خصوصية. 7 00:00:27,625 --> 00:00:30,476 إن الكاتب الذي غير حياتي، 8 00:00:30,500 --> 00:00:34,934 هو الروائي الرائع الأمريكي من أصول أفريقية جميس بالدوين. 9 00:00:34,958 --> 00:00:38,226 فخلال نشأتي في غرب ميشيغان في ثمانينيات القرن العشرين، 10 00:00:38,250 --> 00:00:42,167 لم يكن هنالك كثير من الكُتاب الأمريكان من أصول آسيوية يهتمون بالتغيير الاجتماعي. 11 00:00:43,292 --> 00:00:46,518 ولذلك أعتقد أنني لجأتُ إلى جميس بالدوين، 12 00:00:46,542 --> 00:00:50,583 بوصفها وسيلة لسد هذه الفجوة وبوصفها وسيلة للشعور بالوعي العنصري. 13 00:00:51,958 --> 00:00:55,934 غير أنه وربما لأني أدركت أنني لستُ بأمريكية من أصول أفريقية، 14 00:00:55,958 --> 00:01:00,476 شعرتُ أيضاً بالتحدي وأنني من المتهمين بعباراته. 15 00:01:00,500 --> 00:01:02,625 ولا سيما هذه العبارة: 16 00:01:03,458 --> 00:01:07,059 "هنالك ليبراليون يتحلون بكل السلوكيات اللائقة، 17 00:01:07,083 --> 00:01:09,042 إلا أن قناعاتهم غير حقيقية. 18 00:01:10,083 --> 00:01:14,018 فعندما تأتي الأوقات العصيبة وتتوقع وفاءهم بوعودهم بطريقة أو بأخرى، 19 00:01:14,042 --> 00:01:16,518 فهم بطريقة أو بأخرى يخذلونك." 20 00:01:16,542 --> 00:01:19,351 بطريقة أو بأخرى يخذلونك. 21 00:01:19,375 --> 00:01:21,726 تعاملتُ مع هذه الكلمات بصورة حرفية للغاية. 22 00:01:21,750 --> 00:01:23,458 أين يتعين عَليَ أن أضع نفسي؟ 23 00:01:24,500 --> 00:01:26,518 ذهبتُ إلى دلتا المسيسيبي، 24 00:01:26,566 --> 00:01:29,708 أحد أفقر المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية. 25 00:01:29,708 --> 00:01:32,601 المنطقة التي شَكلها تاريخ قوي. 26 00:01:32,625 --> 00:01:37,768 في ستينيات القرن العشرين خاطر الأمريكان ذوو الأصول الأفريقية بحياتهم للقتال من أجل التعليم، 27 00:01:37,792 --> 00:01:39,500 وللقتال من أجل حق التصويت. 28 00:01:40,625 --> 00:01:43,059 أردتُ أن أكون جزءاً من ذلك التغيير، 29 00:01:43,083 --> 00:01:46,792 من أجل مساعدة المراهقين الصغار على التخرج والالتحاق بالجامعة. 30 00:01:48,250 --> 00:01:50,976 فعندما وصلتُ إلى دلتا المسيسيبي، 31 00:01:51,000 --> 00:01:53,434 كانت لا تزالُ منطقة فقيرة، 32 00:01:53,458 --> 00:01:55,184 ومكاناً معزولا، 33 00:01:55,208 --> 00:01:57,750 ولا تزال بحاجة إلى التغيير الجذري. 34 00:01:58,958 --> 00:02:02,393 إن مدرستي في المنطقة التي كنت فيها، 35 00:02:02,417 --> 00:02:06,726 لم تكن توجد بها مكتبة ولا مرشد، 36 00:02:06,750 --> 00:02:09,726 غير أنه كان بها ضابط شرطة. 37 00:02:09,750 --> 00:02:12,309 ومعظم المعلمين بها كانوا معلمين بدلاء 38 00:02:12,333 --> 00:02:14,309 وعندما يتشاجر الطلاب، 39 00:02:14,333 --> 00:02:18,208 ترسلهم المدرسة إلى السجن المحلي. 40 00:02:20,250 --> 00:02:23,226 في هذه المدرسة حظيتُ بمقابلة باتريك. 41 00:02:23,250 --> 00:02:28,184 كان عمره 15 عاماً ويدرس في الصف الثامن حينها، وكان قد رسب مرتين. 42 00:02:28,208 --> 00:02:30,684 كان باتريك هادئاً وعميقاً، 43 00:02:30,708 --> 00:02:33,518 حيثُ كان دائماً ينغمس في التفكير العميق. 44 00:02:33,542 --> 00:02:36,333 وكان يكره رؤية الآخرين يتشاجرون. 45 00:02:37,500 --> 00:02:41,309 في أحد الأيام، رأيته يتدخل لفض شجار بين فتاتين 46 00:02:41,333 --> 00:02:44,042 فوجد نفسه يتلقى ضربة طرحتهُ أرضاً. 47 00:02:45,375 --> 00:02:47,893 كان لباتريك مشكلة واحدة. 48 00:02:47,917 --> 00:02:49,708 وهي أنه لم يكن يأتي إلى المدرسة. 49 00:02:51,249 --> 00:02:53,726 في بعض الأحيان كان يقول أن المدرسة كئيبة جداً 50 00:02:53,750 --> 00:02:56,792 لأن الناس فيها دائماً يتشاجرون كما أن المعلمين يتركون العمل فيها. 51 00:02:58,042 --> 00:03:03,500 فضلاً عن ذلك، كانت والدته تعمل في وظيفتين وكانت متعبة جداً لجعله يعود إلى المدرسة. 52 00:03:04,417 --> 00:03:07,184 لذلك جعلتها مهمتي أن أعيد باتريك إلى المدرسة. 53 00:03:07,208 --> 00:03:11,268 ولأنني كنت فتاة مجنونة، في الثانية والعشرين من عمري ومتفائلة بحماس، 54 00:03:11,292 --> 00:03:13,434 كانت خطتي هي أن أذهب لمنزله وحسب. 55 00:03:13,458 --> 00:03:15,583 وأقول: "مرحبا! لماذا لا تذهب إلى المدرسة؟" 56 00:03:16,542 --> 00:03:18,184 وفعلاً فقد آتت هذه الطريقة أكلها، 57 00:03:18,208 --> 00:03:20,643 وبدأ يحضرُ إلى المدرسة كل يوم. 58 00:03:20,667 --> 00:03:23,059 وبدأ يزدهر في المدرسة. 59 00:03:23,083 --> 00:03:26,000 كان يكتبُ الشعرَ ويقرأ الكتبَ، 60 00:03:26,917 --> 00:03:29,208 كان يأتي إلى المدرسة بشكل يومي. 61 00:03:31,042 --> 00:03:32,518 وفي تلك الفترة، 62 00:03:32,542 --> 00:03:35,226 التي اكتشفت فيها كيف أتواصل مع باتريك، 63 00:03:35,250 --> 00:03:37,458 تم قبولي في كلية الحقوق في هارفارد. 64 00:03:39,583 --> 00:03:42,934 وعندها واجهتُ هذا السؤال مرةً أخرى: أين يتعينُ عَليَ أن ضع نفسي؟ 65 00:03:42,958 --> 00:03:44,667 أين عسايَ أن ألقي بجسدي؟ 66 00:03:45,458 --> 00:03:48,101 فقلتُ لنفسي 67 00:03:48,125 --> 00:03:51,643 أن دلتا المسيسيبي كانت مكاناً حيث الأثرياء، 68 00:03:51,667 --> 00:03:53,559 ومن هم من أصحاب الفرص، 69 00:03:53,583 --> 00:03:55,073 كل أمثال هؤلاء، كانوا يغادرون. 70 00:03:55,875 --> 00:03:57,309 ومن بقي هنالك من الناس 71 00:03:57,323 --> 00:04:00,813 كانوا أولئك الذين لم تكن لديهم الفرصة للمغادرة. 72 00:04:00,833 --> 00:04:03,101 لم أحبَ أن أكون ذلك الشخص الذي يغادر. 73 00:04:03,125 --> 00:04:05,167 وددتُ أن أكون ذلك الشخص الذي يبقى. 74 00:04:06,333 --> 00:04:09,268 من ناحيةٍ أخرى كنتُ وحيدة ومتعبة. 75 00:04:09,292 --> 00:04:12,750 لذا أقنعتُ نفسي أن بإمكاني إحداث المزيد من التغيير 76 00:04:14,125 --> 00:04:17,708 وعلى نطاق واسع إذا ما تحصلتُ على درجة مرموقة في القانون. 77 00:04:19,541 --> 00:04:20,791 لذلك غادرت. 78 00:04:22,750 --> 00:04:24,351 بعد مرور ثلاث سنوات، 79 00:04:24,375 --> 00:04:26,768 عندما كنتُ على وشك التخرج من كلية الحقوق، 80 00:04:26,792 --> 00:04:28,518 هاتفني صديقي 81 00:04:28,542 --> 00:04:33,458 وأخبرني أن باتريك قد دخل في مشجارة وقتل أحدهم. 82 00:04:35,333 --> 00:04:37,393 شعرتُ بحزنٍ شديد. 83 00:04:37,417 --> 00:04:39,851 جزأ مني لم يكن يُصدق ذلك، 84 00:04:39,875 --> 00:04:42,542 غير أن جزأً آخر أدرك أن ذلك كان صحيحاً. 85 00:04:43,583 --> 00:04:45,583 سافرتُ لرؤية باتريك. 86 00:04:46,750 --> 00:04:49,458 زرته في السجن. 87 00:04:50,542 --> 00:04:54,184 وأخبرني بصحة الأمر. 88 00:04:54,208 --> 00:04:56,601 وأنه قد قتل أحدهم. 89 00:04:56,625 --> 00:04:58,875 لم يكن يرغب بالتحدث كثيراً عن الأمر. 90 00:04:59,833 --> 00:05:01,851 سألته عما جرى حيال المدرسة 91 00:05:01,875 --> 00:05:06,018 فقال لي أنه قد تركها بعد عام من رحيلي. 92 00:05:06,042 --> 00:05:08,684 ثم أراد أن يقول لي شيئاً آخر. 93 00:05:08,708 --> 00:05:11,976 تدلى ببصرهِ إلى الأسفل وقال لي أنه قد رُزق بابنة 94 00:05:12,000 --> 00:05:13,768 ولدت تواً. 95 00:05:13,792 --> 00:05:16,375 وهو يشعر أنه قد خيب ظنها. 96 00:05:18,625 --> 00:05:22,000 كان هذا كل شيء، فقد كانت محادثتنا مربكة ومستعجلة. 97 00:05:23,417 --> 00:05:28,476 عندما خرجتُ من السجن كان هنالك صوت بداخلي ينادي: 98 00:05:28,500 --> 00:05:29,768 "ارجعي. 99 00:05:29,792 --> 00:05:33,083 إن لم ترجعي الآن فلن ترجعي أبداً." 100 00:05:36,292 --> 00:05:39,875 لذلك عندما تخرجتُ من كلية الحقوق عدتُ راجعة. 101 00:05:40,833 --> 00:05:42,518 عدتُ لرؤية باتريك، 102 00:05:42,542 --> 00:05:45,500 عدتُ لأرى إن كان بإمكاني مساعدته في هذه القضية القانونية. 103 00:05:46,917 --> 00:05:50,268 وعندما رأيتهُ للمرة الثانية، 104 00:05:50,292 --> 00:05:52,559 اعتقدتُ أن لدي فكرة عظيمة فقلت: 105 00:05:52,583 --> 00:05:56,184 "اسمع يا باتريك، لمَ لا تكتب رسالة إلى ابنتك؟ 106 00:05:56,208 --> 00:05:59,976 وبذلك يتسنى لك أن تبقيها في تفكيرك؟" 107 00:06:00,000 --> 00:06:03,684 ومن ثم ناولته قلمًا وورقة، 108 00:06:03,708 --> 00:06:05,333 وبدأ يكتب. 109 00:06:06,542 --> 00:06:09,351 ولكن عندما اطلعت على الورقة التي أعادها إليَ، 110 00:06:09,375 --> 00:06:10,708 أصبتُ بالدهشة. 111 00:06:13,000 --> 00:06:15,101 لم أتعرف على خط يده، 112 00:06:15,125 --> 00:06:17,958 فقد ارتكب أخطاء إملائية بسيطة. 113 00:06:19,167 --> 00:06:21,851 وبصفتي معلمة قلتُ لنفسي، 114 00:06:21,875 --> 00:06:25,351 أنا أعلم أن الطالب يمكن أن يحرز تقدماً ملحوظاً 115 00:06:25,375 --> 00:06:28,434 خلال فترة زمنية قصيرة، 116 00:06:28,458 --> 00:06:32,125 إلا أنني لم أكن أتصور على الإطلاق أن الطالب يمكن أن ينتكس بشِدهَ. 117 00:06:34,375 --> 00:06:36,268 وما ضاعف ألمي، 118 00:06:36,292 --> 00:06:39,476 رؤية ما كتب لابنته. 119 00:06:39,500 --> 00:06:40,893 فقد كتبَ: 120 00:06:40,917 --> 00:06:45,208 "أنا آسف على أخطائي، أنا آسف لأنني لست هنالك من أجلك." 121 00:06:46,458 --> 00:06:49,292 فكان هذا كل ما شعر أنه بجعبته ليقوله لها. 122 00:06:50,250 --> 00:06:54,559 فسألتُ نفسي كيف السبيل إلى إقناعه أن لديه الكثير ليقوله، 123 00:06:54,583 --> 00:06:58,000 وأنه ليس مجبرًا على تبريره. 124 00:06:58,958 --> 00:07:00,226 أردتُ منه أن يشعر 125 00:07:00,250 --> 00:07:04,208 أن بجعبته ما يستحق أن يتشاطره مع ابنته. 126 00:07:05,917 --> 00:07:09,101 يومياً ولمدة سبعة أشهر متتالية، 127 00:07:09,125 --> 00:07:11,809 كنتُ أزوره وبحوزتي الكتب. 128 00:07:11,833 --> 00:07:15,684 حتى صارت حقيبتي عبارة عن مكتبة صغيرة. 129 00:07:15,708 --> 00:07:17,768 حيثُ جلبتُ له كتب جيمس بالدوين، 130 00:07:17,792 --> 00:07:22,684 ووالت ويتمان وسي.أس. لويس. 131 00:07:22,708 --> 00:07:27,518 كما أعطيته كتيبات إرشادية عن الأشجار وعن الطيور، 132 00:07:27,542 --> 00:07:30,750 بالإضافة الى القاموس الذي أصبح كتابه المفضل. 133 00:07:31,667 --> 00:07:33,351 في بعض الأحيان، 134 00:07:33,375 --> 00:07:37,167 كنا نجلس لساعات في صمت، حيث كان كل منا يقرأ. 135 00:07:38,083 --> 00:07:39,934 وفي أحيانٍ أُخَر، 136 00:07:39,958 --> 00:07:43,476 كنا نقرأ سويةً، كنا نقرأ الشعر. 137 00:07:43,500 --> 00:07:47,393 بدأنا بقراءة الهايكو، المئات من الهايكو، 138 00:07:47,417 --> 00:07:50,309 تلك التحفة الفنية التي تخدعك ببساطتها. 139 00:07:50,333 --> 00:07:53,143 وكنت أسأله: "شاركني الهايكو المفضلة لديك." 140 00:07:53,167 --> 00:07:56,226 وبعضها مضحك جداً. 141 00:07:56,250 --> 00:07:58,101 فهنالك ما قاله عيسى: 142 00:07:58,125 --> 00:08:01,833 "فيا عناكبُ لا تنزعجي، فأنا لا أرتب المنزل بانتظام." 143 00:08:02,750 --> 00:08:07,292 وهذه كذلك: "نمت طوال اليوم، ولم يلق عليَّ أحد باللوم!" 144 00:08:08,667 --> 00:08:13,101 وأكثرهم روعة تلك التي تتحدث عن أول أيام تساقط الثلج، 145 00:08:13,125 --> 00:08:17,583 "ظِبَاءُ تَلعَقُ فرو بعضها البعض المكسوّ بالصقيع." 146 00:08:19,250 --> 00:08:22,268 هنالك شيء غامض ورائع 147 00:08:22,292 --> 00:08:24,934 حول الطريقة التي تبدو عليها القصيدة. 148 00:08:24,958 --> 00:08:29,583 فالمساحة الفارغة لا تقل أهمية عن الكلمات نفسها. 149 00:08:31,375 --> 00:08:33,893 فلقد قرأنا هذه القصيدة لويليام ستانلي ميروينن، 150 00:08:33,917 --> 00:08:38,143 والتي كان قد ألفها عندما رأى زوجته تعمل في الحديقة 151 00:08:38,167 --> 00:08:42,042 وأدرك أنهما سيقضيان بقية حياتهما معاً. 152 00:08:43,167 --> 00:08:45,518 "دعيني أحلم أننا سنعود من جديد 153 00:08:45,542 --> 00:08:48,934 وذلك عندما نرغب ونريد وسيكون الجو ربيعاً 154 00:08:48,958 --> 00:08:52,143 ولن نشيخ أكثر مما كنا عليه 155 00:08:52,167 --> 00:08:56,101 وسيصير الحزن البالي يسِيراً كالسحب الأولى 156 00:08:56,125 --> 00:08:59,893 التي يبزغ منها الفجر رويداً رويداً". 157 00:08:59,917 --> 00:09:03,309 سألتُ باتريك عن البيت المحبب عنده فأجاب: 158 00:09:03,333 --> 00:09:06,875 "ولن نشيخ أكثر مما كنا عليه" 159 00:09:08,375 --> 00:09:12,809 وقال أن هذا البيت يذكره بمكان يتوقف عنده الزمن، 160 00:09:12,833 --> 00:09:15,768 حيثُ لا أهمية للوقت على الإطلاق. 161 00:09:15,792 --> 00:09:17,851 فسألته إن كان يعرف مكاناً مثل هذا، 162 00:09:17,875 --> 00:09:20,268 حيثُ يدوم الوقت إلى الأبد، 163 00:09:20,292 --> 00:09:21,958 فكان جوابه: "أمي". 164 00:09:23,875 --> 00:09:28,184 حين تقرأ قصيدة جنباً إلى جنب مع شخص آخر، 165 00:09:28,208 --> 00:09:30,083 فإن معناها يتغير. 166 00:09:31,333 --> 00:09:36,000 لأنها تصبح شخصية لك ولذلك الشخص. 167 00:09:37,500 --> 00:09:40,184 ومن ثم قرأنا كتباً، الكثير جداً من الكتب، 168 00:09:40,208 --> 00:09:43,351 قرأنا مذكرات فريدريك دوغلاس، 169 00:09:43,375 --> 00:09:46,976 ذلك العبد الأمريكي الذي علم نفسه القراءة والكتابة 170 00:09:47,000 --> 00:09:50,333 والذي نجا من العبودية بفضل القراءة والكتابة. 171 00:09:51,875 --> 00:09:54,518 لقد كبرتُ وأنا أعتبر أن فريدريك دوغلاس بطل 172 00:09:54,542 --> 00:09:57,750 وكنت مؤمنةً أن هذه القصة هي إحدى قصص الأمل والمضي قدماً. 173 00:09:58,917 --> 00:10:01,750 إلا أن هذا الكتاب أصاب باتريك بنوعٍ من الذعر. 174 00:10:02,875 --> 00:10:07,934 فقد ركز على قصة رواها دوغلاس حول كيف كان الأسياد في أعياد الميلاد 175 00:10:07,958 --> 00:10:11,059 يعطون النبيذ للعبيد 176 00:10:11,083 --> 00:10:14,559 ليثبتوا للعبيد أنه ليس في مقدورهم التعامل مع الحرية. 177 00:10:14,583 --> 00:10:17,375 لأن العبيد سيتعثرون في الحقول. 178 00:10:19,500 --> 00:10:21,500 فقال باتريك إنه يتعاطف مع هذا الكلام. 179 00:10:22,333 --> 00:10:25,809 وقال أن هنالك في السجن أُناسٌ مثل العبيد، 180 00:10:25,833 --> 00:10:28,059 لا يحبون التفكير في أحوالهم، 181 00:10:28,083 --> 00:10:29,893 لأنها شديدة الألم. 182 00:10:29,917 --> 00:10:32,101 فمن المؤلم جداً التفكير في الماضي، 183 00:10:32,125 --> 00:10:35,458 ومن المؤلم جداً التفكير في المسافة التي يتعين علينا قطعها. 184 00:10:36,958 --> 00:10:39,851 كان الاقتباس المحبب لديه هو: 185 00:10:39,875 --> 00:10:43,476 "أي شيء، مهما كان، للتوقف عن التفكير! 186 00:10:43,500 --> 00:10:48,542 فتفكيري الدائم في حالي هو ما عذبني ومزق أوصالي." 187 00:10:49,958 --> 00:10:53,917 قال باتريك أن دوغلاس تحلى بالشجاعة ليكتب ويواصل التفكير. 188 00:10:55,083 --> 00:11:00,643 غير أن باتريك لم يدرك على الإطلاق كم بدا لي أنه يشبه دوغلاس لحد بعيد. 189 00:11:00,667 --> 00:11:04,417 وكيف استمر في القراءة، على الرغم من حالة الذعر التي سببتْها له. 190 00:11:05,250 --> 00:11:08,309 فأكمل قراءة الكتاب قبل أن أُكمله أنا، 191 00:11:08,333 --> 00:11:12,042 وقرأهُ على درج إسمنتي ومن دون إضاءة. 192 00:11:13,583 --> 00:11:16,309 ومن ثم انتقلنا إلى قراءة أحد الكتب المفضلة لديّ، 193 00:11:16,333 --> 00:11:18,518 وهو كتاب "جلعاد" لمارلين روبنسون، 194 00:11:18,542 --> 00:11:22,684 وهو عبارة عن رسالة مطولة من أب لابنه. 195 00:11:22,708 --> 00:11:25,059 أحب باتريك هذا السطر: 196 00:11:25,083 --> 00:11:27,268 "أنا أكتب هذا جزئياً لأخبرك 197 00:11:27,292 --> 00:11:30,601 أنه إذا حدث وتساءلت يوماً ما عما حققته في حياتك... 198 00:11:30,625 --> 00:11:32,643 فقد كنتَ لي نعمة إلهية، 199 00:11:32,667 --> 00:11:35,833 أنت معجزة بل ما يفوق المعجزة." 200 00:11:37,375 --> 00:11:43,018 هنالك شيء ما حيال هذه اللغة، ربما صوتها أو الحنين والحب الموجودان بها، 201 00:11:43,042 --> 00:11:45,500 بعثَ في باتريك الرغبة في الكتابة. 202 00:11:46,292 --> 00:11:49,393 فقد كان يملأ دفتراً تلو الآخر 203 00:11:49,417 --> 00:11:52,726 برسائل إلى ابنته. 204 00:11:52,750 --> 00:11:55,684 خلال هذه الرسائل الجميلة والمتشعبة، 205 00:11:55,708 --> 00:12:01,684 كان يتخيل أنه يذهب رفقة ابنته للتجديف عبر نهر المسيسيبي. 206 00:12:01,708 --> 00:12:04,518 ويتخيل أنهما وجدا تياراً جبلياً 207 00:12:04,542 --> 00:12:06,708 بهِ ماء غاية في النقاء. 208 00:12:08,042 --> 00:12:10,083 بمشاهدتي لباتريك وهو يكتب، 209 00:12:11,250 --> 00:12:13,393 قلت لنفسي، 210 00:12:13,417 --> 00:12:15,476 والآن أسالكم أنتم جميعكم، 211 00:12:15,500 --> 00:12:20,792 كم واحد منكم كتب رسالة إلى شخص شعر أنه قد خيبَ ظنه؟ 212 00:12:22,042 --> 00:12:27,125 إنه من السهل جداً عدم التفكير في هولاء الأشخاص. 213 00:12:28,083 --> 00:12:32,726 غير أن باتريك كان يظهر كل يوم لمواجهة ابنته، 214 00:12:32,750 --> 00:12:35,684 محملاً نفسه المسؤولية تجاهها، 215 00:12:35,708 --> 00:12:39,417 كلمة تلو الأخرى بتركيز شديد. 216 00:12:42,417 --> 00:12:44,958 وددتُ لو أني تمكنتُ في حياتي الخاصة 217 00:12:46,042 --> 00:12:49,101 من وضع نفسي في مخاطرة من هذا القبيل. 218 00:12:49,125 --> 00:12:52,750 لأن تلك المخاطرة تكشف مدى قوة قلب الفرد منا. 219 00:12:56,625 --> 00:13:00,684 اسمحوا لي بالرجوع إلى الخلف وطرح سؤال غير مريح: 220 00:13:00,708 --> 00:13:04,417 من أكونُ أنا لأروي لكم هذه القصة، أي قصة باتريك هذه؟ 221 00:13:06,042 --> 00:13:09,018 باتريك هو الشخص الذي عايشَ هذا الألم 222 00:13:09,042 --> 00:13:13,208 أما أنا فلم يسبق لي أن كنتُ جائعة يوماً في حياتي. 223 00:13:15,250 --> 00:13:17,018 لقد فكرتُ في هذه المسألة كثيراً، 224 00:13:17,042 --> 00:13:20,768 ولكن ما أردتُ قوله هو أن هذه القصة لا تتعلق بباتريك فحسب. 225 00:13:20,792 --> 00:13:22,309 إنها تتعلق بنا، 226 00:13:22,333 --> 00:13:24,833 تتعلق بعدم المساواة بيننا. 227 00:13:25,667 --> 00:13:27,083 تتعلق بعالم الوفرة 228 00:13:28,375 --> 00:13:32,018 الذي كان باتريك ووالداه وأجداده 229 00:13:32,042 --> 00:13:33,851 منبوذين منه. 230 00:13:33,875 --> 00:13:36,958 في هذه القصة أنا أُمثل عالم الوفرة. 231 00:13:37,792 --> 00:13:41,601 وبروايتي لهذه القصة لم أكن أريد أن أخفي نفسي. 232 00:13:41,625 --> 00:13:44,292 وأن أخفي تلك القوة التي أتحلى بها. 233 00:13:45,333 --> 00:13:48,893 بسردي لهذه القصة، أردتُ أن أُبرز تلك القوة. 234 00:13:48,917 --> 00:13:51,309 وبعدها أسأل: 235 00:13:51,333 --> 00:13:54,250 كيف يمكننا تقريب المسافات بيننا؟ 236 00:13:56,250 --> 00:13:59,851 القراءة هي إحدى الطرق لتقريب تلك المسافات. 237 00:13:59,875 --> 00:14:04,309 فهي تمنحنا عالماً يمكننا أن نتشاركه جنباً إلى جنب، 238 00:14:04,333 --> 00:14:06,583 بحظوظ متساوية. 239 00:14:08,500 --> 00:14:11,601 لابد أنكم تتساءلون الآن حول ما الذي جرى مع باتريك. 240 00:14:11,625 --> 00:14:13,333 فهل أنقذت القراءة حياته؟ 241 00:14:14,583 --> 00:14:16,708 يمكن القول نعم ولا. 242 00:14:17,875 --> 00:14:20,768 عندما خرج باتريك من السجن، 243 00:14:20,792 --> 00:14:23,125 كانت رحلته مؤلمة. 244 00:14:24,292 --> 00:14:27,768 فقد رفضه أرباب العمل بسبب سجله الإجرامي، 245 00:14:27,792 --> 00:14:30,934 وتوفيت والدته، أعز صديق له في عمر 43 عاماً 246 00:14:30,958 --> 00:14:33,434 بسبب أمراض القلب ومرض السكري. 247 00:14:33,458 --> 00:14:36,167 وبقي مشرداً وجائعاً. 248 00:14:38,250 --> 00:14:42,792 يقول الناس الكثير من الأشياء عن القراءة والتي أشعر أنها مبالغ فيها. 249 00:14:43,792 --> 00:14:47,768 كون باتريك مُثقفاً لم يحمه من التعرض للتمييز. 250 00:14:47,792 --> 00:14:50,417 ولم يمنع الموت عن أمه. 251 00:14:51,708 --> 00:14:54,083 حسناً، ما الذي يمكن أن تقدمه القراءة؟ 252 00:14:55,375 --> 00:14:59,333 لديّ بعض الإجابات أختم بها اليوم. 253 00:15:00,667 --> 00:15:03,417 شحذت القراءة حياة باتريك الداخلية 254 00:15:05,083 --> 00:15:08,143 بالخيال وبالغموض 255 00:15:08,167 --> 00:15:09,417 وبالجمال. 256 00:15:10,292 --> 00:15:14,625 فلقد منحته القراءة صوراً جلبت له البهجة: 257 00:15:15,417 --> 00:15:20,976 مثل الجبل والمحيط والظبي والصقيع والغابة. 258 00:15:21,000 --> 00:15:25,125 كلمات كان مذاقها الحرية والعالم الطبيعي. 259 00:15:27,625 --> 00:15:31,143 فقد مثلت له القراءة لغةً لكل ما فقده. 260 00:15:31,167 --> 00:15:35,809 إلى أي مدى كانت هذه الأبيات للشاعر ديريك والكوت ذات قيمة؟ 261 00:15:35,833 --> 00:15:38,059 حفظ باتريك هذه القصيدة. 262 00:15:38,083 --> 00:15:40,184 "آهٍ على أيامٍ أمضيتها، 263 00:15:40,208 --> 00:15:42,476 آهٍ على أيامٍ أضعتها، 264 00:15:42,500 --> 00:15:44,346 فالأيام تمضي وتروح سراعاً، 265 00:15:44,346 --> 00:15:47,583 كفتاةٍ كبرت بين أذرعٍ ترعاها." 266 00:15:48,667 --> 00:15:51,643 فالقراءة علمته التحلي بالشجاعة. 267 00:15:51,667 --> 00:15:54,976 أذكركم أنه واصل قراءة مذكرات فريدريك دوغلاس، 268 00:15:55,000 --> 00:15:57,143 على الرغم من أن ذلك كان مؤلماً. 269 00:15:57,167 --> 00:16:00,875 كما ظل واعياً، مع أن الوعي يؤذي صاحبه. 270 00:16:02,208 --> 00:16:04,768 إن القراءة شكل من أشكال التفكير، 271 00:16:04,792 --> 00:16:08,851 لذلك من الصعب أن نقرأ، لأنه يتوجب علينا أن نفكر. 272 00:16:08,875 --> 00:16:13,125 وقد اختار باتريك التفكير، عوضاً عن عدم التفكير. 273 00:16:16,000 --> 00:16:19,958 وأخيراً، فقد منحته القراءة لغةً يخاطب بها ابنته. 274 00:16:21,375 --> 00:16:24,601 وبعثت لديه الرغبة في الكتابة. 275 00:16:24,625 --> 00:16:28,768 فالرابط بين القراءة والكتابة رابط غاية في القوة. 276 00:16:28,792 --> 00:16:30,851 فعندما نشرع في القراءة، 277 00:16:30,875 --> 00:16:32,958 فإننا نبدأ في إيجاد الكلمات. 278 00:16:33,958 --> 00:16:38,601 فباتريك وجد الكلمات ليتصور نفسه مجتمعاً مع ابنته. 279 00:16:38,625 --> 00:16:40,333 ووجد الكلمات 280 00:16:41,958 --> 00:16:44,208 ليخبر ابنته عن مدى حبهِ لها. 281 00:16:46,042 --> 00:16:49,976 كما أن القراءة تُغير من علاقاتنا مع بعضنا البعض. 282 00:16:50,000 --> 00:16:52,059 فهي تُتيح لنا فرصة للألفة، 283 00:16:52,083 --> 00:16:54,976 لنرى ما هو أبعد من وجهات نظرنا. 284 00:16:55,000 --> 00:16:57,684 فالقراءة تأخذ العلاقة غير المتكافئة 285 00:16:57,708 --> 00:17:00,375 وتمنحنا تكافؤاً فورياً. 286 00:17:02,125 --> 00:17:05,059 عندما تقابل أحدهم بصفته قارئاً، 287 00:17:05,083 --> 00:17:07,059 فإنك تتعرف عليه لأول مرة، 288 00:17:07,083 --> 00:17:08,791 بشكل جديد كلياً. 289 00:17:09,875 --> 00:17:13,083 فلا مجال لمعرفة ما هو بيت الشعر المفضل لديه. 290 00:17:14,458 --> 00:17:17,666 وما هي ذكرياته وما هي أحزانه الخاصة. 291 00:17:18,833 --> 00:17:22,833 وستواجه خصوصية لا حدود لها عن حياته الداخلية. 292 00:17:23,666 --> 00:17:27,101 ومن ثم تبدأ في التساؤل: "حسناً، مماذا تتكون حياتي الداخلية؟ 293 00:17:27,125 --> 00:17:30,375 ما الذي أمتلكه ويستحق أن أتشاركه مع غيري؟" 294 00:17:33,000 --> 00:17:34,333 أودُ أن أختم 295 00:17:36,208 --> 00:17:40,500 ببعض الاقتباسات المفضلة لدي من خطابات باتريك لابنته. 296 00:17:41,333 --> 00:17:44,101 "يُظِلمُ النهر في بعضٍ من الأنحاء 297 00:17:44,125 --> 00:17:47,393 بيد أنه وفي عتمة الأشياء يشعُ من بين جنبات الأشجار الضياء 298 00:17:47,417 --> 00:17:50,976 بالتوت الوفير، بعض الأفرعِ تتدلى. 299 00:17:51,000 --> 00:17:54,458 وذراعك دون ترددٍ لتقطف منها تتمطى وتتعلى." 300 00:17:56,042 --> 00:17:58,476 وهذه الرسالة الجميلة حيثُ كتبَ: 301 00:17:58,500 --> 00:18:02,851 "أغمضي عينيك وأنصتي إلى صوت الكلمات. 302 00:18:02,875 --> 00:18:05,059 أعرف هذه القصيدة عن ظهر قلب 303 00:18:05,083 --> 00:18:07,917 وأود منك أنت كذلك أن تعرفيها." 304 00:18:09,375 --> 00:18:11,184 أشكركم جميعاً جزيل الشكر. 305 00:18:11,208 --> 00:18:14,500 (تصفيق)